حظيت الزيارة التي قام بها الدكتور عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء إلى دولة جيبوتي، باهتمام كبير من قِبل دول القرن الأفريقي المُطلّة على البحر الأحمر، حيث تجيء الزيارة في توقيت بالغ الأهمية بالنسبة للأمن الإقليمي، والتحديات التي تُجابِه دول البحر الأحمر، بسبب الهجمة الكبرى على الموانئ في كافة الدول بالقرن الأفريقي، لذلك وجدت الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الوزراء إلى جيبوتي، اهتماماً بالنظر إلى أن السودان يترأس الدورة الحالية لمنظمة “الإيقاد” مما يجعل رؤيته لقضيتي الأمن والاستقرار بالمنطقة بمثابة خارطة طريق يود أعضاء المنظمة معرفتها أو معرفة الطريقة التي يود بها السودان إدارة ملف حرب الموانئ, فكلنا يُتابِع تحرّكات بعض الدول الخليجية للسيطرة على الموانئ في البحر الأحمر عبر الاستثمار كمدخل أول، ثم تمتد السيطرة رويداً رويداً بما يجعل الدولة ذات السيادة على أراضيها لا تعلم عن موانئها كثير شيء، أو يكتسب الاستثمار في الموانئ صفات مُريبة كالفساد عبر تأجير الموانئ لشركات بشروط غير عادلة أو مريبة.
والمؤسف هنا أن السودان الذي يترأس الدورة الحالية لمنظمة “الإيقاد” ظلّ طوال عقدين من الزمان يُدير قضايا الموانئ بطريقة مُتخلّفة وبعيدة عن مصلحة الوطن أو حقه في السيادة على الموانئ، فقد كانت الغلبة في القرار الخاص بالموانئ في أيدي بعض النافذين الذين كان همهم الأكبر مصالحهم الخاصة، لذلك شرعوا في تجفيف الموانئ، وفي هذا ظلم لقطاع كبير من عُمّال الشحن والتفريغ والعمال خارج البواخر في كلٍّ من بورتسودان وسواكن، حيث نقلت الحكومة السابقة مسألة تفتيش الحاويات إلى منطقة سوبا بولاية الخرطوم، مما حرم الكثير من العمال من ممارسة عملهم اليومي، وهذا تشريد لا يُليق بحكومة راشِدة، ومن يتمعّن في التجارب الدولية الأخرى يلحظ أن دولةً مثل الهند تُلزم المُخلّصين للبضائع في موانئها البحرية بإعادة تعبئتها وتغليفها مرة أخرى، حتى يجد الآلاف من مواطنيها مصلحة في هذا العمل اليدوي البسيط، بينما نُهمل نحن حقوق مواطنينا وحقهم المشروع في العيش الكريم، وحتى إدارتنا للموانئ كقضية اقتصادية لا نتّبع فيها رأياً علمياً مسنوداً بإستراتيجية وطنية تراعي المصلحة العليا للبلاد, فنحن نمتلك على البحر الأحمر شاطئاً بطول سبعمائة وسبعة عشر كيلو متراً واثني عشر ميلاً بحرياً من السيادة المطلقة، ونتشارك مع آخرين في مئتي ميل بحري كمنطقة اقتصادية، وعلى طول الشاطئ لدينا مَرَاسٍ في كل منطقة الشيوخ وعقيق وعقيتاي حتى آخر مرسى في “داماك” التي تقع بالقرب من مرسى “تكلاي” الإريتري, فلماذا لا نُوجّه قدرات المستثمرين العرب والعجم إلى هذه المراسي وهي مراسٍ طبيعية تقبل بناء أرصفة بها كما تقبل تشييد العديد من المنشآت الجديدة حتى يكون الاستثمار في هذه المرحلة بشروط واضحة، وفيه عائد على الخزينة العامة, فلا زال أهل الشرق يتوجسون من مقدم الشركات الراغبة في الاستثمار بالموانئ بسبب من تلك “الفلبينية”..!