أبعاد اللقاء
اللقاء السري الذي تمّ بين البرهان رئيس المجلس السيادي، ونتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، فيه ثلاثة أبعاد مقلقة حقيقة، قد تؤدي إلى نتائج كارثية أهمها أن قرار المقابله تجاوَز الوثيقة الدستورية والمؤسسات الحكومية، وخصوصا نحن في فترة حساسة ومهمة للغاية نتطلع فيها أن نؤسس دولة بنظم حديثة مبنية على المؤسسية دولة تختلف تماماً عن الثلاثين عاماً التي اختطفت فيها الإنقاذ السودان ورهنته لصالحها بقوة السلاح والجبروت..
والسرية نفسها التي تمت بها المقابلة جعلت من المستحيل عودة ثقة الشارع العام في المجلس السيادي وبالذات في المكون العسكري، فتاريخ ثوراتنا التي أفرزت حكومات ديمقراطية حافل بالانقلابات العسكرية عليها، وقاد إلى نظم ديكتاتورية مقيتة، حالت دون قيام دولة حقيقية نفتخر أن نكون مواطنيها… أما البعد الثاني، فهو انهيار الثقة في حكومة رئيس الوزراء د. حمدوك عندما خرج بيان وزير الإعلام الناطق الرسمي للحكومة بأنهم لم يخطروا أو يشاوروا في أمر هذا اللقاء، وتفاجأوا عند سماعهم الخبر، هذا أثبت أن الحكومة ضعيفة ولا ترقى لمستوى تطلّعات الشعب وأحلامه وتضحياته والكم الهائل من دماء الشباب التي سُكبت من أجل ذلك، وما زالت رطبة على الأرض حتى الآن.. حتى البيان الثاني للحكومة بعد الاجتماع بالبرهان كان مخيباً وغير مسؤول، ولم تحدد فيه التدابير التي سيقومون بها حفاظاً على هذه الثورة خلال الفترة الانتقالية والعبور بها إلى الانتخابات…. وإذا استمر هذا الضعف المخزي الذي بدا واضحاً حتى في أداء الحكومة في معالجة الاقتصاد المنهار باتخاذ إجراءات حاسمة تجاه شركات النظام البائد التي ما زالت تتحكم في معاش الشعب واحتياجاته الأساسية الأخرى، أو التساهل مع النظام السابق المتمثل في مقابلة قيادات كانت فاعلة فيه، والتسوية السرية معهم فسوف تنهار حكومة حمدوك سريعاً.
أما البعد الثالث والخطير الذي لم ينتبه البعض إليه كان في طريقة نشر الخبر نفسه سواء من الجانب الإسرائيلي أو الأمريكي، فقد قال وزير الخارجية الأمريكية بالحرف إن السودان بذل جهوداً كبيرة لتطبيع علاقاته مع إسرائيل، كلمة جهود هنا تعني أن السودان هو الذي بادَر بفكرة التطبيع، وعليه، أنه قدّم تنازلات حتى يصل إلى هذا اللقاء الأخير في عنتبي.
إذن التنازلات التي قدمها السودان والتي ستكون وبالاً وكارثه فعليه وعلينا… ثم أن كلمة جهود يشملها أيضا البُعد الزماني فمن المستحيل أن تكون تلك الجهود خلال الفترة القصيرة بعد الثورة، إذ لا بد أنها قديمة منذ الإنقاذ وارتحلت كفكرة وعمل خلال الحكومة الانتقالية.. إذن السؤال مَن الذي يقود سريًا هذه الجهود ومن الذي ما زالت ملفاتها بين يديه عابرًا بها من الإنقاذ إلى وقتنا هذا…
على العموم، الآن نحن دولة في مرحلة تأسيس من جديد، ليس لدينا مانع في التطبيع، وليست لدينا قدرة على عداء أي دولة بل يجب أن نحسن علاقاتنا الخارجية ونعمل علي محو سياسات الإنقاذ العدائية التي أكسبتنا عداوة بعض الدول وجعلتنا في قائمة الإرهاب ووصمنا بتلك الصفه الذميمة.