:: كَثيرةٌ هي اللُّغات في عالمنا هذا؟، ومع ذلك، تبقى لُغة المَصَالِح هي الأقوى والأوسَع انتشاراً في عالم اليوم.. تذكّرت هذه العِبَارة أمام رئيس مجلس السيادة الفريق الركن عبد الفتاح البرهان، وهو يُحَدِّثنا عمّا يجب عليه أن تكون علاقات السودان الخارجية مع كُلِّ دُول العَالم، بما فيها إسرائيل.. لُغة المصالح هي التي ترسم خارطة الطريق لعلاقات السودان الخارجية، وهي لُغة بلا حُروفٍ أو تشكيلٍ، ولا تُنطق، بل تُمارس كأيِّ مهنة، ويفهمها الجميع.. وقد فهمها السودان (أخيراً)..!!
:: ومنذ عُقُودٍ، ظَلّ الشعب يَصرخ، وكذلك الصحافة، ويُطالب النظام المخلوع بتعلُّم لُغة المَصالح لا العَواطف.. والأدهَى والأَمر، رغم أنّها كانت حكومة مُسمّاة بالإسلامية، وتدّعي عُروبة تفُوق عُرُوبة العرب، بل – يعني كمان – فلسطينية أكثر من حركة حماس ذاتها، ومع ذلك كان يتم تجاوُزها – زي الترتيب – عند أيِّ لقاءٍ يُناقش إحدى قضايا فلسطين.. والمُدهش لحدِّ إدهاش الدَّهشة ذاتها، هو أنّها كانت راضية بأن يكون موقعها في مُنافسات القضية الفلسطينية (مُجَرّد مُتفرِّج)..!!
:: ولكن، ثورة الوعي علّمت الشعب بأنّ عالم اليوم خالٍ من المثالية والإنسانيّة، خَاصّةً عندما يكون الحديث عن العلاقات الدولية، بل لُغة المصالح فقط لا غير هي التي تتحدّث بلسان فصيح.. (أمسك لي وأقطع ليك)، (واحد زايد واحد يساوى اتنين)، (حقي كم؟)، أو هكذا قواعد لُغة العصر التي تُخاطب بها أنظمة الدول بعضها، بعد أن تغسل (وشّها بالملح).. وما لم تتعلّم أيّة دولة هذه اللُّغة المُعاصرة، فعلى شعبها القُبُول بالعيش تحت خط الفقر والحرب..!!
:: والرئيس البرهان كَانَ صَريحاً، وقالها بِوُضُوحٍ: لقد فكّرت كثيراً وشَاوَرت كثيراً قبل اتّخاذ قرار (لقاء نتنياهو)، وإنّ قرار لقاء نتنياهو نابعٌ من مسؤوليتي لمُراعاة المصلحة العُليا للسودان.. السودان أولاً، هكذا فَكّرَ البرهان ثُمّ قرّر بشجاعةٍ، رَسَمَ خارطة سياسية جديدة لعلاقات بلادنا.. وللأسف، قبل أن تظهر نتائج سياسة الانفتاح الجديدة، أصبحت هذه السِّياسَة هَدَفَاً لبعض قِوى الداخل والخارج..!!
:: نَعَم، مُؤسفٌ للغاية بأنّ أحزاباً بتحالُف الحُرية والتّغيير غير راضية عن التّحوُّل الإيجابي الذي تشهده علاقات بلادنا الخارجية.. وأنّ الاختراق الذي يحدثه الرئيس البرهان، ليُخرِج البلاد من القُيُود التي وضعها فيها النظام المخلوع إلى رحاب المُجتمع الدولي، هذا الاختراق الإيجابي كَمَا لا يُرضي أحزاباً بقِوى الحُرية والتّغيير، لا يُرضِي أيضاً بعض الدول العربية والإسلامية..!!
:: ولهذه الأحزاب والدول كانت رسالة الرئيس البرهان وَاضحة: (لم يقف معنا أحدٌ في مصائبنا حين ضَرَبت إسرائيل مصانعنا وقتلت مُواطنينا).. نعم، لم يقف معنا أحدٌ.. فالشاهد منذ استقلال بلادنا، لقد ظَلّ شعبنا وحده يدفع أثمان مواقف الحكومات في كل القضايا الإقليمية، بما فيها قضية فلسطين.. وهي المواقف التي أفقرت شعبنا، وأنهكت بلادنا وشطرتها إلى (دولتين)، وعرّضت الأقاليم الأخرى إلى مخاطر الانشطار أيضاً.. ولذلك، آن الأوان بأن يكون (السودان أولاً)..!!