حكاية إسرائيل.. ما وراء الخبر..!

“السياسة هي فن عَمَل المُمكن، أما قول المُمكن فأي مواطن يقف على ناصية الشارع يقدر عليه”.. الكاتبة..!

تناقَلَت مواقع التواصل الاجتماعي يوم أمس خبر ــ  وصيغة نَص ــ استقالة مدير إدارة السياسة الخارجية بالمجلس السيادي، السفير “رشاد فراج الطيب”، احتجاجاً على لقاء رئيس المجلس الفريق “عبد الفتاح البرهان” برئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” بيوغندا، قبل أيام.. والحقيقة أن نص الاستقالة وإن بدا لي ثورياً وهتافياً حتى النخاع ــ ويحمل جملاُ على غرار: “الكيان الصهيوني الذي يعربد في أوطاننا دون رادع” .. “قبل أن أرى أعلام الكيان الصهيوني ترفرف على سارية القصر الذي قُتل فيه غردون” .. إلخ .. ــ  إلا أنه يُعبِّر عن موقف مبدئي له حيثياته المقنعة والجديرة بالاحترام..!

لكن غير المُقنع وغير الجدير بالاقتناع حقاً هو تضارُب التصريحات الرسمية بشأن ذلك اللقاء، والتي صدرت عن ثلاث جهات، وعلى نحو مُتفاوت في التوقيت وفي طبيعة المضمون نفسه.. التصريح الأول صدَر عن السيد  وزير الإعلام الأستاذ “فيصل محمد صالح” بصيغتين، الأولى بصفته الرسمية كناطق رسمي باسم الحكومة الانتقالية، أكد فيه أن الحكومة تلقت الخبر عبر وسائل الإعلام، وبأنه لم يتم إخطارهم أو التشاور معهم في مجلس الوزراء، وبالتالي فإنهم ينتظرون التوضيحات.!

والثانية بصفته الشخصية ــ كمواطن سوداني يأكل الطعام ويمشي في الأسوق، و”يبَشِّر” في الأفراح ويُواسي في الأتراح –  ويكتب على صفحته على “فيس بوك”، وقد كتب عليها بالفعل أن موقف الفريق “البرهان” قد خرق الوثيقة الدستورية وتجاوز اختصاصات الجهاز التنفيذي، فضلاً عن أنه قد تجاوز الموقف السوداني الثابت بشأن التطبيع مع إسرائيل .. إلخ ..!

أما تصريح السيد رئيس مجلس الوزراء “عبد الله حمدوك” فقد جاء غائماً ودائرياً على نحو يُعكِّر مزاج أكثر المواطنين حُلماً، وتفاؤلاً، وترديداً لجملة “شكراً حمدوك”.. من التأكيد على ضرورة التزام الهياكل الانتقالية بالوثيقة الدستورية وبالمسئولية والشفافية في جميع القرارات.. إلى الترحيب بالتعميم الصحفي لرئيس مجلس السيادة الفريق “البرهان” حول اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي.. إلى التأكيد على الالتزام بالمضي قدماً .. إلخ..!

أما الفريق “البرهان” فقد أخذها من قصيرها، وقال في تصريحه بشأن كواليس اللقاء إنه قد أخطر السيد رئيس الوزراء بأمر اللقاء، وأن السيد “حمدوك” قد رَحَّب بذلك وقال له – على طريقة الخواجات” – “قُو أَهيد” .. يعني ــ بالدارجية السودانية ــ  “دربك أخضر .. عديلة عليك محل ما تقَبِّل”..!

هنا تجدر الإشارة إلى مفارقة طريفة للغاية، مفادها أن حكومة الإنقاذ ــ طيب الله ثراها ــ كانت لا تكلف نفسها عناء الشرح والتبرير بشأن أي موقف تتخذه؟؟ من وضع أمريكا تحت حذاء البشير .. إلى من الانخراط في أي تحالف دولي.. إلخ..!

بينما يهتم الشق المدني في حكومة ما بعد الثورة بمراعاة ردود أفعال الشعب في مواجهة أي تصريح رسمي، لكن تلك المراعاة لا تمتد إلى أروقة وكواليس مراكز صناعة القرار نفسه .. فالمهم هو كيف تتم صياغة الشكل الفني للتصريح بشأن أي قرار، وليس الشفافية في حد ذاتها .. وإن كنت لا تصدقني فدونك التصريحات أعلاه ..!

منى أبوزيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى