اضرب حتّى أراك..!

“الضربة لا تُرعب، ما يُرعب هو انتظارها”.. ألفريد هتشكوك..!

الله وحده يعلم مَا هُو ذلك الجُرم المَشهود الذي ارتكبه طالب مدرسة القبس – الذي تداولت موقع التواصُل حادثة ضربه – حتى يكون عقابه التربوي ضربات عشوائية على يديه وساعديه وكتفيه.. تارةً وهو جالس وتارة أخرى هو يُغادر الفصل مَطروداً يُلاحقه وعيد أستاذه الغاضب؟! ثم ما هو الفرق – والحال كذلك – بين طرائق التحقيق مع المتهمين ووسائل التأديب في أجهزة الأمن، وأساليب العقاب البدني في المدارس..؟!  

لاحظ أن هذا الفتى يدرس في مدرسة خاصة ويدفع ذووه مبالغ طائلة خلال كل فترة دراسية لكي يُحظى بأفضل الموجود من تربية وتعليم في هذا البلد.. ما بالك إذن بطلاب المدارس الحكومية..؟!

كم يبلغ طول وعرض وارتفاع تلك المسافة الفاصلة بين “الزجر” و”التوبيخ” و”العُنف” و”الجريمة” بين جدران الفصول وأروقة المدارس؟! وكيف ترى وزارة تربية وتعليم ما بعد الثورة حالات العُنف اللفظي والجسدي تلك، وكم تساوي عندها تلك الجرائم الروحية والنفسية والجرائم المادية التي تُرتكب في حق أولئك الطلاب الضحايا..؟!

حوادث الضرب العنيف التي تقع في المدارس لا تختلف عن أية جريمة جنائية تقع في أيِّ مكانٍ آخر، والمُتّهم في كلا الحالين يصبح “مُجرماً” بعد صدور حكم قضائي لكفاية الأدلة.. وفي علم النفس التحليلي هُنالك نظريات لتبرير هذا النوع من الجرائم يُمكن تلخيصها في مقولة فرويد “الجريمة طبيعة بشرية نُحاربها بالعُقُوبات”..!

فَضْلاً عن تحليل المدرسة الاقتصادية التي تُؤكِّد أنّ الجرائم دوماً وليدة ظُرُوف اقتصادية، وتدلل على هذا بارتفاع مُعدّلات الجرائم في فترات الأزمات الاقتصادية.. هذا هو السياق العلمي الذي ينبغي أن يُناقش عبره أيِّ سلوكٍ تربوي عنيفٍ يصدر عن أيِّ مُدرِّس، دوره الرئيس هو التعليم، ومُهمّته الأساسية هي التربية وليس الانتقام وشخصنة ردود الفعل..!

سُئل مُعلِّم أمريكي كان يعمل في إحدى مدارس حي عصابات شهير في لوس أنجلوس، كيف استطاع أن يُحوِّل أبناء اللصوص والقَتَلة إلى مشاريع أكاديمية باهرة، – واستحق لذلك أغلى جائزة تقدير أمريكية وأعلى وسام ملكي بريطاني – فأجاب: “لم أسمح لقوالب الوظيفة الجامدة أن تسحقني”..! ربما كان ذلك المعلم الذي يتشفى بضرب تلميذ بحاجة إلى تنمية احترامه لذاته، والاعتراف بفضله، وتنمية مقدراته وتطوير أدائه المهني، وإعطائه فُرصاً قيادية تُحقِّق له التّوازُن النفسي بعيداً عن سيطرة الروتين..!   

الكاتب البريطاني جورج أورويل قال في كتابٍ خصّصه لحياة الفقر والتّشرُّد التي عاشها في باريس ولندن: “كنت أغسل الصحون في أقبية المطاعم، وأرصد سلوك زملائي في العمل، فلاحظت أنّهم يُعاملون بعضهم بعدائيةٍ وشراسةٍ، والسبب ليس فقرهم وبُؤس حياتهم، بل شعورهم باليأس وفقدانهم الأمل في التغيير”..!

الضرب في المدارس هو آخر فُصول حكايات اليأس، وفُقدان الأمل، والإجهاد النفسي والاستنزاف الانفعالي الذي تُسبِّبه مُشكلات الأُسرة، وضعف العائد، وقِلّة الحِيلَة، والشعور بالحصار والرق الوظيفي، ومُكابدة قِلّة التقدير التي يُعاني منها بعض المُعلِّمين.. والتي تتحوّل بمُرور الوقت إلى شُحنات سالبة لا يُمكن تفريغها إلا بتضخيم الأخطاء ومُضاعفة العقاب.. فهل يا ترى من مُذَّكر..؟!

منى أبو زيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى