السفارة في كافوري
*”الإثنين” الثالث من فبراير 2020م، كانت الأخبار تتحدث عن دعوة الولايات المتحدة الأمريكية لرئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، وفي ذات اليوم كان البعض يتناول زيارة اليوم الواحد لأوغندا.
*مساء نفس اليوم امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر لقاء رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في يوغندا، بترتيب من رئيسها، وحتى اليوم وغداً لا حديث في الوسائط إلا عن هذا اللقاء الذي مثل “صدمة” للكثيرين ووصدمة كذلك للذين لم يقرأوا ما بين سطور حديث البرهان في القنوات المتعددة في الفترة السابقة.
*الرسالة التى وصلت من عنتبي تقول إن الطرفين اتفقا على تطبيع العلاقات بين البلدين، وحينها تذكرت إحدى لقاءت البرهان التلفزيونية والتي أكد فيها ان سياستهم هي “فعل أي شيء من أجل مصلحة السودان”، ولكن الغريب في الأمر أن الحكومة الانتقالية بأكملها لا تعلم لقاء البرهان ونتيناهو.
*في زخم تلك الرسائل في مواقع التراسل الاجتماعي، كان مستشار رئيس الوزراء الإعلامي إيدي كوهين، قد دوّن في صفحته الآتي “منذ اللحظة جمهورية السودان في حصانة ومنعه شديدة من أي دسائس ومؤامرات عربية وخلافه، ورمينا عليها حصانة من لا يضام جواره فهي منذ اللحظة في منعتنا”.
*ولكن السؤال الأهم والذي يفرض نفسه بعد هذا اللقاء ماذا تريد تل أبيب من الخرطوم؟ والإجابة لمن يعرف شخصية اليهود معروفة، وهي أن هناك مصلحة لهم ولا يهتمون بالآخر.
*أمس استوقفني تسجيل لأحد الإعلاميين الفلسطينيين حينما علق على لقاء البرهان وبنيامين، حيث قال الإعلامي “حكومة السودان ترى أن من مصلحتها التطبيع مع إسرائيل فلماذا كل هذا الضجيج والكثير من الدول العربية مطبعة علاقتها مع إسرائيل حتى فلسطين “المحتلة” لها معاملات تجارية وخدمية مع إسرائيل.
*حسناً.. هل فعلاً السودان يحتاج إلى هذا التطبيع مع دولة تجتهد وتعمل منذ العام 1948م لتأسيس دولة إسرائيل من “الفرات للنيل”؟ بالطبع السودان لا يحتاج إلى هذا التطبيع إن كانت هناك سياسة واضحة المعالم لدى حكامنا، وأن كانت هناك ضمائر واعية تحارب الفساد وتعمل بشفافية للاستفادة من موارد السودان الضخمة التي تكفي للدول العربية وما جاورها.
*لا نحتاج للتطبيع إن زرعت الأرض الخصبة قمحاً واستخرجنا ما في باطن الأرض معادن ووظفت أموالها لعامة الشعب وليس لأشخاص بعينهم.
*وإن اجرت الحكومة الانتقالية استبياناً لمعرفة رأي الشعب السوداني حول التطبيع مع إسرائيل أم لا، ستجد الكثيرين يرفضون التطبيع رغم تدهور الاقتصاد وتدني الجنيه السوداني والضائقة الاقتصادية الكبيرة التى يمر بها اهل السودان، وستجد ربما القليلين يؤيدون التطبيع بعد أن ضاقت بهم السبل وفقدت الدولة السيطرة على أي شيء حتى “الخبز الحاف” أصبح المواطن يعاني في الحصول عليه.
*مصر الشقيقة لديها سفارة في تل أبيب، وغيرها من الدول العربية لديها سفارات هناك، ولكن هل لكم أن تتصوروا سفارة إسرائيل في كافوري أو غيرها من مناطق السودان؟ الواقع السياسي يقول ممكن ذلك، ولكن الحقيقة الاجتماعية تقول إن الشعب السوداني وإن أظهر البعض موافقته على التطبيع فدواخله لا تقبله.
*أخيراً السياسة هي فن الممكن ولا ثوابت فيها أساسها المصلحة، والشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية بعقلية “إسرائيلية” يتجه نحو سفارة للدولة المحتلة في خرطوم اللاءات الثلاثة.