طفّشتوا مننا العربات!
أضحت قضية المُواصلات العامة ذات ثقلٍ عظيمٍ في الشأن العام, فها هو مجلس الوزراء يَعقد جلسةً استثنائيةً خَصّص لها يومي الجمعة والسبت من الأسبوع المنصرم لمُناقشة قضية المُواصلات, وفي تصريحات صحفية أوضح د. فيصل محمد صالح الناطق الرسمي باسم الحكومة، أنّ مجلس الوزراء خلص إلى تكوين فريق عمل بهدف ضبط توزيع الوقود للقطاعات كافّة, وقد ضم فريق العمل مُمثلين لوزارات الطاقة والتعدين والمالية والداخلية والبنى التحتية, بجانب ممثل لولاية الخرطوم، مشيراً إلى أنّ مجلس الوزراء وجّه بسحب تراخيص المركبات التي لا تلتزم بالمسارات أو التعريفة، وأن المجلس يسعى لتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مجال المُواصلات و”دا كلام سمح”، ولكنه على مستوى التنفيذ يحتاج من فريق العمل الإلمام ببعض الحقائق المُهمّة, ففي أزمة المواصلات هُناك عَوامل تنفلت بعيداً عن القرار الحكومي مثل الأسعار المُتصاعدة للاسبيرات والزيوت والإطارات، وكلها مُجتمعةً تقع في قبضة القطاع الخاص، وليس هناك تنسيقٌ فاعلٌ بين الحكومة وهذا القطاع بما يُحقِّق إنفاذ قرارات مجلس الوزراء بالصورة المطلوبة، أضف إلى ذلك أنّ تُجّار الاسبيرات والزيوت والإطارات يستعينون ببعض المُضاربين في السوق الأسود لتكملة صفقات الشراء التي أبرموها خارج الحُدُود، لأنّ الحكومة ليس لديها فائضٌ من العُملات الأجنبية لتمويل مثل هذه الأنشطة, فكلنا يعلم أنّ المستوردين في ورطةٍ كما الحكومة، بسبب الفرق الذي يتصاعد بين السعر الجمركي للدولار وسعره في السوق الأسود، وبسبب هذه المُفارقات هَرَبَ الكثير من رجال المال والأعمال من الاستثمار في قطاع النقل، ويزيد الطين بلّه أنّ تعريفة المواصلات في كل الولايات هي ذات التعريفة التي كانت سائدةً منذ عشر سنوات، رغم الزيادة التي طرأت على تكاليف تشغيل وصيانة المركبات، مِمّا دَفَعَ سائقي تلك المركبات إلى تقسيط الرحلة الواحدة لثلاثة أو أربعة خطوط, ونتيجةً لهذه الحيلة الشيطانية، أضحى مِمّا يدفعه المُواطن في الرحلة المُتجزئة يساوي خمسة أضعاف المبلغ القديم، وليس في الأمر ابتزازٌ للمُواطن المغلوب على أمره، ولكن هناك حقائق ينبغي الاعتراف بها بشجاعة والعمل على امتصاص آثارها السالبة، وعلى رأس تلك الحقائق التدهُور المُريع الذي أصَابَ القُوة الشرائية للجنيه السُّوداني مِمّا يَجعلنا نَتساءل لماذا الإصرار عَلى عَدم زيادة تعريفة المُواصلات من خمسة جنيهات لخُطُوط مثل السامراب والدروشاب إلى السوق العربي، بحيث تصبح الرحلة واحدة وبتعريفة مُجزية لصاحب المركبة ومعقولة بالنسبة للمُواطن بدلاً من الإصرار على تعريفة ثمنها خمسة جنيهات فقط, فهذا مبلغٌ زهيدٌ وبسيطٌ جداً ولم يعد المُتسوِّل المُعدم يقبل به، ناهيك أن تكون ثمناً لرحلة بطول خمسة عشر كيلو متراً, فلمصلحة مَن تصر الحكومة الولائية على التعريفة القديمة؟ في الوقت الذي يعاني فيه المواطن من لجوء السائقين لتجزئة الرحلة إلى رحلات مُرهقة ومُعظمها يستلزم دفع مبالغ تفوق الخمسة جنيهات التي تصر الحكومة على بقائها رغم مضارها العديدة، وعلى رأس تلك المضار إهدار الزمن والجهد الذي كنا ننتظره من العاملين بالقطاعين العام والخاص لزيادة الإنتاج والإنتاجية..
خلاصة الكلام:
اعيدوا النظر في تعريفة المواصلات بما يحقق العدل والاستقرار في قطاع النقل برمُته بدلاً من الإصرار لتعريفة غير سارية على أرض الواقع، وبإصراركم عليها “طفّشتوا مننا العربات”.!