التحقيق مع الخضر.. ملفّات ضخمة
قبل حوالي عقد من الزمان، غادر د. عبد الرحمن الخضر ولاية القضارف مُقالاً من منصب الوالي بسبب صراع شرس مع رئيس المجلس التشريعي كرم الله عباس المثير للجدل، لعله لم يكن يعتقد أن تلك الأزمة وما صاحبها من توتّر واتهامات على الهواء من قبل خصمه اللدود، قد تكون هي الأخيرة، التي تواجهه بتلك الحدة في قادم حياته السياسية، باعتبار أن كرم الله يقود معاركه دائماً دون مواربة وبصوت جهير لا يعرف الهمس وبشراسة لا تعرف المهادنة، وهي نوع من المواجهات قلّما توجد في ساحة المؤتمر الوطني التي اعتادت على الصراع المكتوم وتوجيه الطلقات عبر كاتم الصوت إلا نادراً وفي نطاق محدود، سيما فقد كانت معركته مع كرم الله عباس ذات طابع استثنائي إذ لم يكتفِ كرم الله خلالها بتحديد ساحة المعركة الحامية في نطاق أسوار القضارف، وإنما سارع بنقلها عبر سطور الصحافة حيث اتهم بإصرار د. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم الحالي عبر حوار صحفي آنذاك بتجاوز الشفافية في عدة عطاءات تشييد وصيانة بلغ مجموعها حوالي “12” مليار جنيه آنذاك، الأمر الذي دفع المركز لإعفاء الطرفين كرم الله من رئاسة المجلس التشريعي، وعبد الرحمن الخضر من منصب الوالي، وهو نهج درج المؤتمر الوطني على انتهاجه.
بيد أن المفاجأة أن الرئيس السابق عمر البشير، أصدر قراراً بعد فترة قصيرة من عاصفة القضارف بتعيين د. عبد الرحمن الخضر والياً للخرطوم، وكأنه أراد أن يُصدِر صك براءة على الرمز السياسي البارز ويخمد أبخرة الدخان التي ما زالت عالِقة في الساحة.
وبعد أن مضى الخضر فترة في حكم ولاية الخرطوم سرَت بعض التسريبات أن ثمة مُخالَفات مالية حدثت في دهاليز مكتب الوالي، وسرعان ما برز خبر صغير أوردته الصحف اليومية بالخرطوم يقول إن والي الخرطوم طلب من لجنة عدلية التحقيق حول تجاوزات من قبل بعض منسوبي مكتبه في قضايا تجاوزات تتعلق بالأراضي، ومن ثم أصبحت القضية تتداول بصورة كبيرة في الصحف والمواقع الأسفيرية التي تباينت في تناولها للقضية من حيث أرقام التجاوزات، بل أن بعضها حمّل الوالي نفسه المسؤولية المباشرة فيما حدث.
وفي تلك الأجواء جاءت توصيات اللجنة العدلية بإلزام المتهمين بالتحلّل من مبالغ التجاوز البالغة “17” مليوناً “مليار بالقديم” عبر قانون الثراء الحرام والمشبوه، وإن كانت بعض المصادر قدّرت عائد الأراضي بحوالي 420 مليار جنيه.
العاصفة الأخيرة
وفي أعقاب تفجّر ثورة ديسمبر، وردت عدة مطالبات شعبية بالتحقيق في ملابسات قضية فساد مكتب والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر، ثم سرَت إشاعات بأنه يوجَد خارج السودان قبل أن تحمل الأنباء أنه تمّ التحفّظ عليه من قِبل السلطات في معبر أرقين، الأمر الذي ينبئ بعاصفة هوجاء من التهم التي ستواجهه على رأسها قضية مكتبه، وربما مُلابسات وفاة الضابط غسان، واستيراد قاطرات ولاية الخرطوم وكلها تمثل عواصف هوجاء لرجل بيطري اختار ولوج السياسة دون أن يتحسب لمآلاتها ومطبّاتها العديدة وتولي مهام رفيعة في النظام السابق، وهو أمر ربما لم يجعله الاعتقاد أن يقف أمام العدالة التي تخطته بأريحية أدهشت الجميع آنذاك.