“الحياة ليست عادلة، فلتعوِّد نفسك على ذلك”.. بيل غيتس ..!
يوم أمس صوتت أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ضد قرار استدعاء الشهود أو ضم أدلة جديدة إلى قضية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذا يعني أنه من المتوقع أن تتم تبرئته من تلك الاتهامات “موضوع المحاكمة” .. وهكذا خذل الجمهوريون الديمقراطيين الذين تعهد ترامب ــ قبل ساعات ــ بهزيمتهم في صناديق الاقتراع أيضاً..!
يحدث هذا على الرغم من أن صورة ترامب هي أول ما يظهر لك على محرك البحث قوقل إذا كتبت كلمة “غبي” .. وفي استطلاع شهير للرأي – في أثناء الانتخابات الأمريكية السابقة – وصفه الكثير من أطفال أمريكا بالغبي والأحمق الذي يصلح للعمل كسباك أو ماسح أرضيات..!
لكن كاريزما الوفرة والثراء التي تكلل حضور ترامب وبراعته في استخدام عقليته التجارية في إرضاء الناخب ودافع الضرائب الأمريكي تعزز من فرص فوزه بجولة رئاسية أخرى، في مجتمع مادي لا يكترث للخطابات السياسية الأخلاقية، بقدر ما يعول على المصالح والمكتسبات المرئية رأي العين .. فالتعويل على الأخلاق في شئون الحكم ـ على امتداد التاريخ الإنساني – مكانه مدينة أفلاطون الفاضلة، بينما يبقى العدل بمعناه الأخلاقي مسألة فلسفية محفوفة بالكثير من وجهات النظر ..!
ولئن أردت مثالاً على تفاهة هذا العالم ووقاحة المبادئ الاقتصادية التي تحكم علاقات دوله وشعوبه فما عليك إلا أن تستذكر تاريخ الرئيس القذافي وحروب المواقف والتصريحات التي كان يخوض أوهامها وحده مثل دون كيشوت، دون أن يجرؤ وغد من عبدة البترول على أن يقول بغم، إشفاقاً على ثلاثة ملايين برميل يومياً، وعلى احتياطي نفط تجاوز الـواحد والأربعين مليار برميل..!
كان القذافي وهو يلعب الشطرنج مع رئيس الاتحاد الدولي للعبة – بينما عشرات القتلى من مواطنيه وشعبه يتساقطون – يشبه جنرال “خريف البطريك” – في رواية ماركيز – الذي أضاع الحلم فأزهق روح شعبه ثم تقمصته روح الشاعر الجاهلي النهشلي الذي افتخر بفرسان قبيلته الذين يقتلون فيحسنون القتلة ثم يدفعون الدية فيجزلون “بيض مفارقنا تغلي مراجلنا نأسو بأموالنا آثار أيدينا”، فأعلن أنه يتكفل بنفقات علاج جرحى شعبه الذين ثاروا على حكمه ..!
وقد أجبر سحر الذهب الأسود الحكومة الأمريكية ــ يوماً – على تقديم اعتذار رسمي على تهكمها حيال دعوته إلى الجهاد بعد أن أفزعها التلويح بطرد شركات النفط الأمريكية من بلاده .. ليس غريباً إذاً كيف أنهم اليوم يضعون العراقيل في طريق شهادة “جون بولتون” المستشار السابق لترامب، بالتشكيك في مصداقيته وتشويه سمعته .. فالمصالح في عالم السياسة أقوى من الأخلاق..!
لذا لا تصدق أبداً أصحاب العقول الإستراتيجية المتسربلة بالمبادئ الإنسانية، الذين يدعون امتلاك مفاتيح الحلول لمشكلات بلادك، فهؤلاء لا يقيمون وزناً لقيمة الإنسان الأدنى في العالم الثالث.. المبادئ الإنسانية عندهم هباء وخواء وغبار تذروه الرياح في موازين السياسة ومكاييل الاقتصاد، وليس صحيحاً أن العالم الأول، المتحضر، يأبه لعذابات المنكوبين في العراق وسوريا وليبيا .. إلخ .. وإن شئت دليلاً فتأمل في تاريخ تواطؤ الأضداد على القتل والخراب من أجل برميل بترول..!