الدجى !!
والدجى هذا جميل..
ومبعث إلهام جمالي؛ شعراً… وأدباً… ونثراً..
وإيليا أبو ماضي – عاشق الجمال – لا تكاد تخلو قصيدة له من مفردة الدجى..
ولكن من الناس من يتشاءم منه لما قد يكون كامناً في جوفه..
ومن هذا الذي يكمن طائر البوم؛ ذو الشؤم..
رغم إنه طائر جميل؛ وذو عينين أجمل… ولا شيء فيه يجعله مصدراً للتطير..
وكذلك نتطير من الغراب… وهو لا يقل عن البومة جمالاً؟..
وتنقبض نفوسنا من الرقم (13)…وهو مجرد رقم؟..
وتمتنع نسوة – إلى الآن – عن غسل ثيابهن يوم الأربعاء… وهو من أيام الله؟..
والأمثلة التي من هذه الشاكلة كثيرة..
وكلها لا تمشي على رجلين من أرجل المنطق… وإنما تتخبط في دجى الجهل..
وتتقبلها عقول الكثيرين منا وكأنها مسلمات… لا تقبل جدلاً..
وعباس العقاد كان يضع مجسماً للبومة على مكتبه… ولم يُصبه سوى التهاب القولون..
وكان جراء مكتبه الصغير…العتيق؛ ولا دخل للبومة به..
ولم تجرب امرأة بشمالنا النوبي أن تغسل يوم الأربعاء..
ثم تنظر – من باب التجريب – إلى ما يمكن أن يحدث لها… أو لثيابها… أو لعيالها..
ولن يحدث شيء قطعاً؛ ولكن الخوف يشل إرادة التجريب..
إنه مثل خوف بعضنا من ظلام الدجى… بفعل التغييب القسري للعقول..
فتعطيل العقل يسبب فراغاً منطقياً تملأه الخرافة..
ورويتُ مرة قصتي مع الرقم المشؤوم – زعماً – خلال زيارتي مدينة ود مدني..
فقد قيل لي إن الفندق مزدحم…عدا غرفة واحدة..
وهذه الواحدة – قالها موظف الاستقبال محدقاً في وجهي – هي ذات الرقم (13)..
فقلت له (وماذا في ذلك؟)…أليست كاملة الدسم الخدمي؟..
فازداد تحديقاُ في وجهي…ثم وعدني – مع شبه ابتسامة غامضة – بخدمة متميزة..
وكأنما أراد تعويضي… إشفاقاً عليّ مما ينتظرني..
ولكن لم ينتظرني شيء سوى (سرسرة) ماء صنبور الحمام…عند حلول الدجى..
فأسرعت إليه متسائلاً (هل هُزم العقل؟)..
ولم يُهزم – طبعاً – وإلا لما كنت أكتب كلمتي هذه مستنكراً تغييب العقل هذا..
والغريب أن هذا الجهل لا نستثني منه حتى السياسة..
فنميري قيل إن عصاته الشهيرة فيها (تعويذة) من شيخ كبير؛ تضمن له البقاء..
يعني مهما يفعل في وطنه – ومواطنيه – فلن يحدث له شيء..
ولكن ما أن صاح (ما في قوة تقدر تشيلني) حتى (شاله) الشعب عبر ثورة مفاجئة..
أو ربما (شاله) الله؛ عبر الذين اُستضعفوا في الأرض..
وبدلاً من (الشيء) حدثت له أشياء… وأشياء..
ومن بعده جاءت نغمة الإنقاذ (كاتبة) الناس ليعجزوا عن شيلها؛ مهما فعلت فيهم..
وما فعلته فيهم لم تفعله (مايو)؛ ولا أي حكومة أخرى..
ورغم ذلك فإنها ظلت تحكم… وتفعل… وتُفسد… إلى أن قاربت الثلاثين من العمر..
ثم لم يخامرها شك بأن دجاها ما زال طفلاً يحبو..
ولم تتحسب لصرخة من القدر… والسماء… والناس…بأنْ (سوف تشرق الشمس)..
بل الدجى نفسه شارك في الصراخ؛ شوقاً إلى الضوء..
ونصرخ نحن – الآن – بألا نستكين لخرافة العقل… فنظل أبداً في ظلام دجاها..
ولنواجه مصادر خوفنا بالعقل… والمنطق..
فسوف نكتشف – حتماً – مكامن جمالها؛ عوضاً عن مظانٍ للقبح… والتطير..
تماماً كجمال بومة في ضوء القمر..
عند الدجى !!.