الهابيليون الجدد
* لقد اجترح هذا الجيل من السودان بسلميته الباهرة معجزةً لا مثيل لها في عصرٍ أضحى فيه الحصول على السلاح أيسرَ من الحصول على شربة ماء..
* ومن واقع معرفة عميقة وصف الراحل صلاح أحمد إبراهيم مثل هؤلاء السودانيين بقوله:
أعرفُهم الضّامِرين كالسياط
الناشفين من شقَا
اللازمين حدّهم
الوعرين مرتقى
* فقد اختبرت الأقدار بعضاً منهم يوم أن انقلبت سيارة “التاتشر” فسقط بين براثن الثوار بشارع الشهيد عبد العظيم “الأربعين سابقاً” أحد جنود السيارة المعطوبة الذي أصابه ما يُشبه الذّهول بعد أن أسلم أمره وتهيأ لأسوأ الأقدار من قول أحدهم: “قوم يا ود الخالة نحن اخوانك, قوم أجرى الحق ناسك”.
* إنها السلمية إذاً.. أنها الكلمة السحرية وراء نجاح ثورة 19 ديسمبر المجيدة.
* هذه السلمية التي جسّدها والتزم حدّها بصرامة هذا الجيلُ الشاب من السودان بفتيانه وفتياته.
* لقد كانوا “هابيليون” بمعنى الكلمة التي وثّق لها القرآن الكريم بقول هابيل لأخاه قابيل “لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك”..
* لقد نصّب هذا الجيل الفريد شعب السودان من جديد مُعلماً لشعوب الأرض قاطبة.
* انظُر ماذا قال الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون لذوي السترات الصفراء في باريس.. قال لهم: “انظروا إلى الثورة السودانية وسِلميّتها، وقد شارَك فيها أكثر من (5) ملايين معتصم، ولكن لم نر عنفاً أو مُمارسات غير أخلاقية، ويجب أن نعي جميعاً الدرس بأن مؤسسات الدولة ملكٌ للشعب”.
* بل أن وزير خارجيته جان إيف لودريان عزّز ذلك بقوله “لقد كان تصميمكم مدهشاً وأنتم تسعون من أجل الحرية وتتفادون كل مُنزلقات العنف, لقد تابعنا برعُب وغضب استخدام العنف ضد الثوار, وتابعنا بإعجاب تحلِّيكم بالنضج والمسئولية والهدوء في ظرفِ قمعٍ عنيف”.
* وباعتراف سفير دولة تقدّس السلام.. قال سفير دولة السويد بالسودان هانس هينريك ليندكويست: “الثورة السودانية تجربة فريدة ومن الصعب أن نقارنها بما حدث في أي مكان آخر”.
* هل في وسعك أن تكون طبيعياً في واقعٍ غير طبيعيٍّ, أو أن تحتفظ بعقلك وسط جنون التاتشرات التي كانت تُعربد تدهس حتى الأطفال على أسرّة نومهم ولا تستثني أحداً في أيام كوابيس الخرطوم تلك.
* إنها ذات المعجزة التي أخرجت الدكتور حمدوك وحكومته للناس في موسم “مفرق الحبّتين” كما ينبت العُشب بين مفاصل صخرةٍ..
* إذن أن نجاح السلمية هو هزيمة للبندقية بالطبع..