*في إحدى الدول الأوربية ارتفع سعر بيض الدجاج مبلغاً زهيداً، فأعلن المواطنة، عبر رسائل متعددة مقاطعةً تناوُل البيض، وخلال أسبوع واحد خسرت شركات الدواجن مبالغ ضخمة ما جعلها تُعيد السعر إلى أقل مما هو عليه قبل المقاطعة.
*وفي الأردن الشقيقة ارتفعت أسعار الخضروات والفاكهة، فأعلن المواطنون أيضاً عبر الوسائط مقاطعة شراء هذه السلع حتى عاد السعر إلى ما كان عليه.
*في كل العالم تنجح مقاطعة السلع والبضائع التي يرتفع سعرها لجشع التجار، إلا في السودان لم نُجرّب يوماً مقاطعة سلعة لارتفاع سعرها.
*ثقافة المقاطعة لم نعرفها بعد في مُدننا ولا قُرانا، وكلما يتم الإعلان عن مقاطعة سلعة ما، نجد الأسواق مكتظة بالمشترين الذين يحاولون الشراء قبل بدء المقاطعة.
*أعتقد أن كل سلعة لها بدائل من السهل مقاطعتها لضبط سعرها، ولكن في السودان حينما يرتفع سعر سلعة نجد البدائل قد رفعت من السعر ما يجعل المواطن في حيرة من أمره.
*قبل فترة دعا البعض لمقاطعة شراء الخبز والاستعانة “بالكسرة والقراصة”، ولكن إن نظرنا إلى صناعة الكسرة سنجد سعرها مرتفعاً وربما يفوق الخبز.
*شهور طويلة وأزمة الخبز تظهر على السطح ثم تغيب، حتى عصر الجمعة حيث أعلن اتحاد المخابز التكلفة العالية لصناعة هذه السلعة ولا مناص من رفع سعر الخبز من جنيه إلى جنيهين.
*هذه الزيادة ذكّرتني بحوار سابق أُجرِي مع الخبير الاقتصادي دكتور عصام صديق أيام الأزمة الطاحنة للخبز، ودعا دكتور عصام في ذاك الحوار إلى الاتجاه لصناعة الخبز من دقيق الدخن الذي يُعتبر أقل كلفة وأسرع تحضيراً في المنازل.
*د. عصام وضع عقبة وحيدة أمام انتشار خبز الدخن وهي أن صناعته تتم عبر أفران مُتخصّصة غير موجودة في السودان، ولكنها متوفرة في عدد من الدول، وبالإمكان استيرادها عبر رجال أعمال أو غيرهم لنشر ثقافة خبز الدخن وتمزيق فاتوة استيراد القمح المكلفة جداً.
*ربما يرى البعض أن حديث هذا الخبير الاقتصادي ضرباً من الخيال، ولكن إن نظرنا إلى ما يعيشه السودان من أزمة في هذه السلعة التي ربما تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه يبقى التفكير في هذا الحل واجباً على الدولة وعلى رجال الأعمال الأوفياء.
*السودان لم يكن يعرف في سابق عهده ثقافة “الرغيف” هذه، وكانت جل المنازل تعتمد على الكسرة والعصيدة والقراصة، ولم تشعر الأجيال السابقة بأزمات في سلعة الخبز، ولكن التحول الكبير الذي حدث في النمط الغذائي جعل أهل السودان تحت رحمة الدقيق المستورد المكلف.
*حسناً، اتحاد المخابز أعلن في مؤتمره الصحفي زيادة سعر الخبز ووزارة التجارة أوقفت هذه الزيادة، ولكن هذا ليس هو الحل الناجع، فالأزمة موجودة وكامنة وفي أي وقت يتوقع انفجارها، إما بندرة كبيرة في السلعة وإما صدام بين الاتحاد والحكومة وفي كلا الحالتين الخاسر هو المواطن.
*نرجو أن يفكر أهل القرار في الرأي الصائب الذي يُنهي هذه الأزمة دون رجعة، “المواطن الفيه مكفيه” ولا يتحمل دخل الموظف البسيط أي زيادات مالية على راتبه “المبشتن” في الأصل.