:: وهُناك خَبرٌ بأنّ أمريكا قد تمنع إصدار (تأشيرات التنوُّع) لمُواطني بعض الدول، منها بلادنا.. وتأشيرات التنوُّع هي التي تُمنح بمُوجب القُرعة لمُواطني الدول ذات مُعدّل الهجرة المُنخفِض.. وعليه، رُبّ ضارة نافعة، وليت أمريكا تمنع وتحظر هذا النوع من الهجرة (الجماعية)، ليس عن مُواطني السُّودان فحسب، بل عن شُعُوب كل دول العالم الثالث (والأخير طبعاً)، حتى تعرف تلك الشعوب قيمة أوطانها ثُمّ ترتقي بها إلى المُستوى الأمريكي..!!
:: وكما أمريكا، فإنّ بلادنا بحاجةٍ إلى شَعبها والمَزيد.. وأزمة السُّكّان في بلادنا من قضايا البلد الاستراتيجية كما السَّلام والاستقرار السِّياسي، ولكنها للأسف لا تجد حَظّاً في النقاش.. مُجرّد رقم يتم ذكره عند اللزوم السِّياسي، وليس بغرض الدراسة ثُمّ المُعالجة كما تفعل أمريكا.. والتِّعداد السُّكّاني الراهن لا يختلف كثيراً عمّا كان عليه ما قبل انفصال جنوب السُّودان، وكانت (39.154.490 نسمة).. والأزمة هُنَا في (الأرقام الهَزِيلة) والتي لا تتناسب مع مساحة البلد..!!
:: نعم، حتى ولو بَلَغَ التِّعداد السُّكّاني (40 مليون نسمة)، فإنّ هذا الرقم – في إطار مساحة السُّودان – يُؤكِّد أنّ السُّودان كان ولا يزال وسيظل يُعاني من أزمة الفقر السُّكّاني وآثارها الاقتصادية والاجتماعية.. ولذلك، مُنذ عُقُودٍ، يُنَبِّه العُلماء والخُبراء بأنّ السُّودان بمساحته الشّاسعة – أو المُترامية الأطراف كَمَا نَحِب وصفه – بحَاجةٍ مَاسّةٍ إلى أن يَرتفع مُعدّل النُّمُو السُّكّاني فيه (أضعافاً)، حتى يتيسّر لهم إدارة موارده واستغلالها بشكلٍ أفضل..!!
:: حجم السُّكّان وعلاقته بالنُّمُو الاقتصادي من القضايا التي لم تُؤرِّق مَضاجع النُّخب بَعد.. وفي عهد حكومة نميري، هَمَسَت بعض المنابر بدراسة أشَارَت أنّ بلادنا بحاجةٍ إلى (200 مليون نسمة)، لتكون قَادرةً على إدارة واستغلال مواردها الاقتصادية، ما فوق الأرض وتحتها.. ثُمّ اختفت الدراسة ولم يعد شيئاً مذكوراً ولو من باب التنبيه إلى مَخَاطر (الفقر السُّكّاني).. فالنُّمُو السُّكّاني، في وضعٍ سياسي مُستقرٍ، من أهم عوامل التنمية وارتفاع مُعدّل الدخل القومي..!!
:: زيادة السُّكّان – في المناخ السِّياسي المُستقر – تعني زيادة المعرفة والعلوم والإنتاج.. والسَّلام والاستقرار والإنتاج من أهم الوسائل التي تُحَقِّق (النُّمُو السُّكّاني).. ومن بعد ذلك، تأتي وسيلة الهجرة التي تُنظِّمها أمريكا بين الحِينِ والآخر.. اللوتري واللجوء وغيرها من المنافذ، لا يفتحها العالم الأول حُبّاً لِعُيُون العالم الثالث.. بل يفعل ذلك وفقاً لدراسات وبُحُوثٍ تَوَصّلت إلى نتيجةٍ مفادها: ضعف النُّمُو السُّكّاني يُؤثِّر سَلباً على مُجمل مناحي الحياة..!!
:: هكذا هُم يُخَطِّطُون ويجمعون البشر بمعايير العِرق والثقافة والأعمار لنهضة أوطانهم.. ولكن أنظمة عالمنا الثالث – والأخير طبعاً – لا تُخَطِّط لغير الحرب والفقر والتهجير.. ولذلك لا يُبارح حجم السُّكّان تلك الأرقام الهزيلة في مساحة تُعادل مساحات ثلاث أو خمس دول.. ثُمّ دَع عنك تنمية الموارد واستغلالها وإدارتها، بل حتى لو تَمّ توزيع سُكّان بلادنا على حُدُود البلد لحراستها بالأمتار، لظلّت أميالٌ من الحُدُودِ بلا حِرَاسَةٍ لنقص عدد الحَرَس المَطلُوب.. استقرِّوا سِيَاسيّاً، وانتبهوا للمَخَاطِر الكُبرى بمُعالجة القضايا الاستراتيجيّة..!!