ازدحام وتكدُّس في طلمبات الوقود بالعاصمة
وزارة المالية: استيفاء المبالِغ لاستيراد الوقود في وقته المُحدّد
اقتصاديون: الأزمةُ إداريّة وسياسية
أحد وكلاء التوزيع: زيادة تكلفة إنتاج الخبز وارتفاع أسعار المُدخلات
تقارير رسمية: ضَعف في الرقابة على توزيع الدقيق
وكيل وزارة الصناعة: مُعاقبة أصحاب المخابز والوكلاء المُتورّطين في تسريب الدقيق
الخرطوم: جمعة عبد الله ــ سارة إبراهيم
رغم إعلان الحكومة عبر وزارة الصناعة والتجارة، طرح كميات كافية من الدقيق، لم تنجل أزمة الخبز كلياً حتى الآن، وتقول الوزارة إن كميات الدقيق التي تُطرح يومياً 100 ألف جوال، بينما حاجة الاستهلاك الفعلية لا تتجاوز 80 ألف جوال، نصفها بولاية الخرطوم.
ورصدت “الصيحة” تواصل الصفوف بعدد من المخابز بمناطق مُتفرّقة من العاصمة القومية، رغم تأكيد أصحاب المخابز على انسياب حصص الدقيق دون انقطاع، ويُرجّح عدد من أصحاب المخابز أن يكون هنالك تلاعب في الدقيق المدعوم ببيعه بالسعر التجاري أو بالتهريب.
ويوجد بولاية الخرطوم، “3739” مخبزاً، تتباين حصص الدقيق اليومية التي تحصل عليها بحسب حجم المخبز والكثافة السكانية بالموقع، وكثير من هذه المخابز لا تحصل على حصة كافية من الدقيق، لكن هذه المخابز رغم كبر عددها وكثرة الدقيق الموزع إليها لم تُفلح في توفير الخبز للمواطنين، وكثير منها يعمل لفترة قليلة فيما تشهد الأخرى صفوفًا مُتطاولة غالب ساعات اليوم ليلاً ونهارًا دون استثناء.
وكان وزير الصناعة والتجارة قد ضرب في وقت سابق موعداً أقصاه ثلاثة أسابيع لحل أزمة الخبز كلياً، وحتى الآن لا يبدو أن المشكلة في طريقها للحل، لكونها أعمق وتتشابك فيها تعقيدات من أكثر من طرف.
وفي موازاة ذلك، ينفي اتحاد المخابز وجود شح أو أزمة في دقيق الخبز، وأوضح أن المخابز على مستوى ولاية الخرطوم تعمل كالمعتاد ويصلها الدقيق.
ورغم تزايُد الدعم الحكومي للدقيق ما تزال مشكلة الخبز قائمة دون حل، ويُرجّح مختصون أن الأزمة إدارية في كثير من جوانبها، وقصور في الدور المرسوم للجهات ذات الصلة خاصة انعدام الرقابة وعدم كفاءة دور الأمن الاقتصادي ــ حسب ما يقول عاملون بقطاع المخابز.
وترجع أسباب الأزمة بحسب الجهات الرسمية لضعف الرقابة على الدقيق وعدم فعالية الآليات الرقابية السابقة، وهو ما تسبّب في تسرب أكثر من 25% يومياً من حصص الدقيق، تُباع في السوق السوداء بالسعر التجاري أو تُهرّب إلى خارج البلاد.
وحذّر وكيل وزارة الصناعة والتجارة، محمد علي عبد الله، بمعاقبة أي صاحب مخبز أو وكيل يتورط في تسريب الدقيق بعقوبة السجن “5” سنوات، وقال الوكيل خلال اجتماع بالوزارة لبحث حلول أزمة الخبز، إن أي وكيل يفشل في توزيع الحصة الموزعة له سيتم تغييره وتعيين وكلاء مختصين لتوزيع الدقيق، وأي متلاعب يتبث تورطه سواء أكان وكيلاً أو صاحب مخبز، يُنفّذ فيه قانون حماية المستهلك الذي تصل عقوبته إلى خمس سنوات، موضحاً أن التوزيع اليومي للدقيق 100 جوال فيما يبلغ الاحتياج الفعلي 80 ألف جوال.
وقطع أحد وكلاء توزيع الدقيق بمحلية جبل أولياء، عماد محجوب، بأن قضية توفير الخبز متشابكة ولا تتعلق بالدقيق فقط، موضحاً أن وفرة الدقيق ووصول كامل الحصص للمخابز وحده “غير كافِ” لحل المشكلة.
وقال عماد لـ “الصيحة”، إن المشكلة تتمثّل في جُملة من المُعطيات يعتبر الدقيق أحدها، مشيراً إلى أن المخابز تشكو من تزايُد تكاليف إنتاج الخبز بسبب ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج والخميرة التي ارتفع سعر الكرتونة من 1700 إلى 2100 جنيه، كما ارتفعت أجور العمالة، لافتاً إلى أن المشكلة لا تتعلق بالدقيق فقط.
وفي اتجاهٍ موازٍ، تُطالب المخابز بتعديل تعرفة الخبز لمواكبة الزيادات الهائلة في مدخلات الإنتاج، ويبرر اتحاد المخابز هذه المطالبة بأن تكلفة إنتاج الخبز الحالية “غير مُجزية”، ويقول إنها أدخلت عدداً من المخابز في خسائر، وأدت لتوقّف بعضها عن العمل مع توقّع خروج مخابز أخرى قريباً حال استمرار العمل بالتكلفة الحالية وعدم حل مشكلات التشغيل التي تواجهها المخابز في الغاز وأجور العمالة ونقص حصص الدقيق والانقطاع المتكرر للكهرباء.
ولا تعتبر مطالبة الاتحاد بزيادة سعر الخبز جديدة، حيث قدم الاتحاد المحلول طلباً لمجلس الوزراء طالب فيه بذلك، دون الإفصاح عن تفاصيل الطلب والأسباب الرئيسة، ولكنها على أي حال لا تخرج عن تصاعُد تكلفة التشغيل المذكورة أعلاه، إضافة إلى شكوى أصحاب المخابز من اقتصار الدعم على الدقيق فقط، وهو يُمثّل 35% من تكلفة إنتاج الخبز، فيما تظل بقية النسبة 65% في تصاعد مستمر منذ العام الماضي دون أن تشملها المعالجات الحكومية.
ويُرجِع مراقبون تزايُد تسرّب الدقيق المدعوم إلى أن التسعيرة الحالية للخبز “غير مُجدية”، وهو ما يدفع البعض للتصرف في حصتهم بطريقة سلبية وعدم خَبزِها، وبذلك تعدّدت أساليب التسرُّب، حيث أن التهريب تجاوَز الدقيق المدعوم ليشمل الخبزَ نفسه، حيث توجَد مناطق حدودية بدول الجوار يصلها الخبز السوداني جاهزًا عبر التهريب، مما يضاعف خسائر البلاد التي تتجاوز خسائر الدقيق المدعوم بل تشمل الخسارة الغاز والخميرة والعمالة وسائر تكاليف إنتاج الخبز.
الوقود أزمة مُتكرّرة
وفي منحى آخر، فإن عودة اصطفاف المركبات من جديد أمام محطات الوقود ينذر بأزمة مُستفحِلة في الوقود هذه الأيام، بالرغم من المُعالجات التي اعلنتها وزارة الطاقة في وقتٍ سابق لحل المشكلة والإعلان عن وصول كميات كبيرة من الوقود إلى البلاد.
وأكد مدير الإدارة العامة للإمدادات بوزارة الطاقة والتعدين جمال حسن، حدوث عطل في خط الأنابيب الناقلة من بورتسودان وخاصة للبنزين، معلناً عودة الخط واستقرار الأوضاع بصورة طبيعية، نافياً في تصريح أمس لـ(الصيحة) انتهاء الأزمة التي شهدتها العاصمة اليومين الماضيين، وعزا الأسباب إلى حدوث هلع من قبل البعض مما دعاهم إلى التكالب على المحطات العاملة وتخزين الوقود بكميات كبيرة ونفى أي أزمة في الجازولين واستمرار تدفّق نفس الكميات، وعزا السبب إلى تفاوت الأسعار واختلافها في الطلمبة والتجاري والتعدين وسعر الدولار غير المحدد.
وأكد انعدام الرقابة على الوقود وهو السبب الرئيسي ويتم السعي لحل المشكلة وحدد كميات الوقود التي تستهلكها العاصمة بين 4 آلاف إلى 4.200 لتر يومياً للجازولين بين2500 إلى 3000 يومياً للبنزين، ونفس حصة العاصمة للولايات، وهي كافية على حد قوله، وقلل من آثار الأزمة الراهنة.
وقال الناطق الرسمي لوزارة المالية والاقتصاد الوطني غازي حسين في تصريح لـ(الصيحة)، إن ملف المشتقات النفطية يتم التعامل معه عبر لجنة تم تشكيلها من وزارة المالية وبنك السودان ووزارة الطاقة والتعدين، مؤكداً التزام وزارة المالية باستيفاء المبالغ المرصودة لاستيراد الوقود في وقتها المحدد دون أي تأخير، نافياً وجود عجز مالي بالنسبة لعملية الاستيراد.
خبراء ومهتمون بالشأن الاقتصادي، أكدوا أن مشكلة الوقود تعود إلى أسباب إدارية فقط ومشكلات في التوزيع بالشركات المختصة والتي ربما تُواجه عقبات في توصيل الحصص في الوقت المناسب لمحطات الخدمة.
ويتفق خبراء اقتصاديون على أن أزمة الوقود في البلاد إدارية وسياسية قبل أن تكون اقتصادية ما يؤكد على وجود أزمة في كيفية اتخاذ ومنهجية القرار، وأشاروا إلى أنه من المفترض وحسب سياسة الترشيد والتقشف التي اتبعتها الدولة بغرض توفير الأساسيات من السلع ألا يجد المواطن معاناة في شتى المجالات للحصول على السلع، حيث أثرت سياسة التقشف عليه سلباً بصورة كبيرة، خاصة أن المواطن واجَه معاناة كبيرة بسبب السياسة الانكماشية وأثرها السالب في توفير السلع والخدمات الخاصة حتى الأدوية في ظل غياب الإنتاج والإنتاجية. فضلاً عن الأثر البالغ جدًا لأزمة الجازولين والوقود امتداداً لآثار نفسية على حياة الناس.
وعبّر عددٌ من المواطنين عن سخطهم من الوضع الذي يزداد كل يوم سوءاً عن اليوم الآخر.
وكشفت جولة الصحيفة على عددٍ من محطات الوقود عن اصطفاف عشرات المركبات ووسائل النقل العامة وعربات الملاكي في انتظار مدها بالجازولين والبنزين، حيث أفاد صاحب طلمبة ببحري أن الوقود متوفر، وعزا الأزمة إلى الترحيل، مما أدى إلى عودة الصفوف مرة أخرى أمام المحطات.
وقال صاحب مركبة عامة لـ(الصيحة)، إن الأزمة تتجدّد في أوقات مُتقاربة خلال الأسبوع الماضي، ويظل في انتظار دوره للحصول على وقود لما يقارب 6 ساعات، وفي بعض الأحيان لا يحصل على حصته لنفاد الوقود من الطلمبة، مما يضطره للجوء إلى السوق السوداء لشراء حاجته بسعر مُضاعف، مُشدداً على أهمية تدخّل الحكومة ومكافحة المُتعامٍلين في السوق السوداء لأنهم هم من يتسببون في الأزمة الحالية.
وقال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير: من الواضح أن أزمة البنزين أطلت من جديد بولاية الخرطوم خلال اليومين الماضيين بالرغم من أنها تلاشت تماماً في الولاية، لكنها باقية في الولايات الأخرى، ولم يكن هناك أي تصريح من قِبل المسؤولين،
وأضاف: كنا نسمع في عهد النظام السابق أن الأزمة غير مبررة، ولا يقدم أي أسباب للأزمة، والآن لم نسمع تصريحاً عن بروز أزمة عن البنزين والجازولين والصفوف الممتدة، وقد تم تحديد مواقيت لإنهاء صفوف الخبز، وتبقّت أيام على هذه المهلة لنرى ما الذي يحدث بعدها.
وقال: نأمل من حكومة الفترة الانتقالية ألا تسمح بحدوث أزمات لتعمّق المشكلة، ومنذ بداية الشح التي شارفت على عامها الثاتي حتى يومنا هذا كان كل شخص يحصل على حصته من الوقود فقط، ويوفر الأموال الباقية للمتطلبات الأخرى، والآن الشخص يملأ “التنك” كاملاً بالوقود خوفاً من ألا يجده في اليوم التالي، وقال إن هنالك حالة من عدم اليقين أصابت كل سائقي العربات، وأصبح الطلب عالياً جداً، وهذا الأمر لا يُعالج إلا بالوفرة، مشدداً على أهمية بث الطمأنينة وسط المواطنين، ومعالجة قضية تكدّس السيارات في المحطات والجلوس مع وكلاء التوزيع لمعالجة المشكلة والإسراع بتعبئة العربات وكثير من الصفوف يخلقها البطء الشديد في المحطات.
وقال: في بعض المحطات تكون بها أربع ماكينات واحدة فقط هي التي تعمل لتخفيض تكلفة العمالة، لذلك لأبد من مناقشة الأمر مع الوكلاء.
وفي الوقت الراهن، تشهد مواقف المواصلات العامة انعداماً تاماً لوسائل النقل العامة والمواصلات بالمدن الثلاث، جراء شح وندرة الوقود في الطلمبات حيث تضاعَفت على إثر ذلك تعرفة المواصلات ثلاثة أضعاف التعرفة المقررة في كافة الخطوط العاملة، دون وجود لأي جهة مسؤولة.
وشكا مواطنون من تأزم أوضاع قطاع النقل والمواصلات وخلو المواقف نتيجة الأزمة الخانقة في الوقود.