ليتحقّق صدقُنا مع الذات، ينبغي علينا التوافُق على أن نظام الحكم الحالي -المسمى مجازاً الهياكل الانتقالية – والذي يسيطر على مقاليد الأمور (على ضعف سيطرته على الأمور) ليس نظاماً انتقالياً وإنما هو نظام مؤقت بأجل مُحدّد ومعروف سيحين عندما يتوجّب على السيد رئيس مجلس السيادة وممثل الكتلة العسكرية تسليم الرئاسة إلى أحد زملائه من المدنيين. ساعتئذٍ ستكتشف جماعة الحرية والتغيير أنها في غمرة انشغالها بتقسيم الغنائم وحرصها المؤسّس على تمكين عناصر الشلة من مفاصل صناعة القرار، لتتمكن هذه العناصر من رد الأحد مقابل سبت الوظائف الرفيعة والامتيازات التي توفّرت لها، قد نَسيَت تعيين شخص مدني واحد جدير بتسنّم كرسي رأس الدولة. وفيما عدا مولانا السيد حسن شيخ إدريس، وهو رجل سيعيقه ولاؤه الحزبي الصارخ وانتماؤه إلى أقلية إثنية، من تولّي هذه المسئولية، فإن بقية أعضاء المجلس المدنيين، مع وافِر التوقير لهم، غير جديرين أصلاً بالدخول في ملكوت المجلس ابتداءً! السير في الطريق الصحيح يستلزم الصدق ونضيف إليه (اللطف والتوقير وحسن العبارة)، وهذا عهدنا مع القارئ الكريم.
تأسّست هذه السلطة كحل إئتلافي وسَط بين المجلس العسكري المحلول ومجموعة مُنتقاة من القوى المدنية مقابل (التواطؤ) على الوصول إلى حل مقبول لقضية فض الاعتصام وهي قضية ينبغي معالجتها على نحو جذري وشفاف وعادل، لأنها ستكون شوكة باقية في خاصرة عدد من رموز السلطة في البلاد وسيقوم الغرب عبر آليات الإعلام والمنظمات الطوعية على إثارتها كلما كان ذلك يُحقّق لها مكاسب سياسية على النحو الذي جرى مع الدكتاتور المعزول، والذي تجاهلته جميع تلك القوى عقِب الإطاحة بنظامه مما يكشف أنها لم تكُن تبحث عن العدالة، وإنما عن وسائل الضغط السياسي.
لقد حاولت مجموعة من قوى السلطة ــ كما كان متوقعاً ــ حسم لعبة السلطة عبر فض الاعتصام، ولكن الطريقة البدائية التي تمّت بها العملية أفرزت واقعاً جديداً كان الأساس للسلطة المُترهّلة التي نتحمّل تبعات ضَعفها الآن في تردي الخدمات، وغياب المسئولية والمحاسبية، وانعدام الرقابة والأداء الجماعي المتناغِم.
إذن هناك قضايا أساسية ينبغي حسمها عاجلاً وهي قضايا فض الاعتصام والوصول إلى صيغة مشتركة للعمل بين القوى العسكرية، والتراضي على الاحتفاظ بها كعمود فقري للدولة بعيداً عن المُزايدات السياسية ومطالبات إعادة الهيكلة السياسية الدوافع. إن إعادة الهيكلة ينبغي أن تنطلق من المهام والمسئوليات وليس وِفق رغبات الساسة الذين كشفت فترة العام المنصرم عن ضَعف قُدراتهم، وقِصَر قامات استقامتهم، وفساد تصوّراتهم، وتهافُتهم على الوظائف والمكاسب والامتيازات!
هذه هي القضايا الجوهرية التي ينبغي معالجتها وليس قضايا توظيف الطامحين المحليين في التوظيف السياسي أو المتبطلين القادمين من الخارج بغية الحصول على امتيازات وخبرات لم توفرها لهم سنوات الغُربة في العالم الأول.
إن من يبحث عن وظيفة فقدها قبل ٣٠ عاماً غير جدير بإعادته لها، ويُمكن جبر الضرر وفق قانون يسري على الجميع، أما موكب البحث عن الوظائف الذي رأيت الناشط إسماعيل التاج بضفائره العلامة قائداً لرسن وفده لدى اللقاء مع رئيس الوزراء فينبغي أن يكون الرد الفعلي عليه هو معالجة أولويات الجماهير.