تقرير: عبد الله عبد الرحيم
في الفترة التي سبقت قيام ثورة الإنقاذ الوطني مثل استيراد وشراء المعدات العسكرية والتي تدخل ضمن خارطة المنظومات الصناعية العسكرية تحدياً كبيراً عقب احتدام الصراعات والتفلتات في مختلف اتجاهات البلاد منها ما هو داخلي وآخر خارجي يتعلق بنمط وهيئة الثورة التي قامت في السودان. لذلك عملت ثورة الإنقاذ الوطني عقب مجيئها على تلبية الاحتياجات الدفاعية الملحة وحفظاً للسيادة الوطنية بتأسيس هيئة التصنيع الحربي في عام (1993م)، وقد مثل قيامها البداية الفعلية للصناعات الدفاعية في السودان. ولقد اضطلعت الهيئة بمهام أساسية تتمثل في توفير الاحتياجات الدفاعية وإسناد القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، وتقديم الحلول لمجابهة التحديات علاوة على تطوير قدراتها الذاتية بما يمكنها من أداء مهامها بكفاءة وفاعلية، والمساهمة في نقل وتوطين تكنولوجيا الصناعات الحربية الحديثة. ولما كانت الثورة في بداياتها، كانت الحكومة ترى ضرورة إسناد مهمة التصنيع الحربي والذي كان يحاط بسرية تامة لمن ينتمون للحركة الاسلامية فصار التصنيع الحربي في السودان محاطاً بجدار سميك من السرية ولا تكاد تجد من المعلومات ما يشير إلى منتوجات السودان في مجال الدفاعات العسكرية غير تلك التي يتم عرضها في معارض خارجية تتعلق بالتصنيع الحربي. وقد تعرض هذا المسلك للكثير من الانتقادات بالداخل لجهة أن السند المطلوب تقديمه للمواطن لمؤسسات الدفاع السودانية كان على المحك لجهة أن التطور الذي حققه السودان في هذا الاتجاه كان المواطن بعيداً كل البعد عن الإلمام به بفرض السرية التامة على الأمر.
وعقب سقوط حكومة الإنقاذ الوطني مؤخراً دخل التصنيع الحربي ضمن خارطة الأجهزة التي يجب إعادة هيكلتها في إطار خارطة القوات المسلحة وبقية أجهزة الدولة المختلفة. وقد صدر قرار بالأمس قضى بهذا الشأن وترك بصمته على الشارع السوداني وبدأ السؤال الذي يفرض نفسه: هل الجيش السوداني بدأ يتحسس منظومته الدفاعية وما دلالة الخطوة وتداعياتها؟
الهيكلة ضرورية ولكن؟
ويقول اللواء ركن مهندس د. عبد الرحمن الأرباب مرسال الخبير العسكري لـ(الصيحة)، إنه وفي إطار إعادة هيكلة القوات المسلحة فمن الضروري إعادة هيكلة التصنيع الحربي باعتبار أنه كان معظم كوادره ينتمون للنظام السابق، وهنالك أكيد مجهود كبير مبذول ويحتاج فقط لتغيير بعض هذه الكوادر وليس كلها ومراجعة الأهداف وأولويات التصنيع الحربي. ومن هذا المنطلق أقول بأنها خطوة لا بأس بها، وأتمنى أن تكون قد تمت بتجرد وحتى الإحلال، وهو المهم بالنسبة للكوادر القادمة فيجب أن تكون كوادر مؤهلة وغير منتمية لأي حزب أو مؤسسة سياسية، لأن الأمر في مجمله عمل اقتصادي عسكري وأغراضه تقع تحت طائلة القانون العسكري.
وأبدى مرسال أمله في أن تكون اللجنة التي قامت بهذا العمل قد راعت جميع المطلوبات لترقية العمل وتبتدئ من حيث انتهى التصنيع الحربي. مشيراً لضرورة أن تتاح السانحة لأجل أن تستمر إيجابياته وتزال سلبياته، وأتمنى أن تكون اللجنة التي قامت بهذا الفعل لها الخبرة والاحترافية لأجل أن يكون المردود مفيداً وذا فعالية، وليس لمجرد كونه تغيير أشخاص، ولكن تغيير لأجل الإمكانيات تغييراً شاملا كاملاً لأجل القوات المسلحة.
عملية مستمرة
وزاد الأرباب: إنه إذا تمت عملية التغيير وإعادة الهيكلة داخل القوات المسلحة، في منظومة التصنيع الدفاعي إيجابياً وفق ما هو مخطط له، فإن الخطوة سيكون لها ما بعدها، كما أنها تعتبر خطوة مطلوبة.
وكشف الخبير العسكري أن الخطوة ليست جديدة في القوات المسلحة، فقد بدأت إعادة الهيكلة مبكراً، وقبل فترة طويلة بإحالة كوادر عسكرية تنتمي للنظام السابق للمعاش، وتم الرجوع لنظام رئاسة الأركان السابقة، وخطوة إعادة التأهيل مستمرة داخل القوات المسلحة وليست وليدة اللحظة فقط، فالجيش ظل يمارس هذه الخطوة منذ الأزل عند ظهور كل جديد، فيتم تغيير القديم به، مؤكداً أن القوات المسلحة هي الجهة الوحيدة التي تمارس إعادة الهيكلة والتطوير وإزالة السلبيات والاستفادة من الإيجابيات في إطار ازدياد الفعالية في منظوماتها الدفاعية.
تفكيك الإنقاذ
فيما يرى العقيد بروفيسور علي عيسى عبد الرحمن الخبير العسكري، أن عملية الهيكلة تأتي في إطار تفكيك مشروع نظام الإنقاذ من ناحية، ومن جهة أخرى هي جزء من تفكيك منظومة القوات المسلحة نفسها. باعتبار أنه استهداف مباشر للقوات المسلحة في أعز ما تملكه وهي الصناعات الدفاعية، ولعل الإشادة الأخيرة في معرض الأمارات الخاص بالصناعات الدفاعات يدلل تماماً على المرحلة التي بلغتها الصناعات الدفاعية في السودان، وبالتالي فإن الهيكلة استهدفت القوات المسلحة في أعز ما تملك.
خطأ الثورة الإيرانية
ويضيف علي عيسى، أن الهدف الأقصى للهيكلة هو تحويل هذه المؤسسة الصناعية وتفكيكها من القيادات التابعة لنظام الإنقاذ إلى قيادات تتبع للتغيير كجزء من المشروع العام بالنسبة للتغيير. وطالب بضرورة أن يكون هناك تدرج بالنسبة لهذه الخطوة، وقال: من الممكن أن تتدرج الكوادر الجديدة التي أُتِيَ بها لملء المواقع الحساسة بأن تأتي تدريجياً، عقب تدريبها على أيدي القيادات القديمة مع المراحل والتدريب على العمل نفسه وكيفيته وهيئته، لأنه يتعلق بأهم مرفد وطني، على شاكلة ما لحق بالتعليم العالي الذي تركت فيه القيادات القديمة بجانب الجديدة لامتلاك الخبرة والتي تستمر حتى الآن دون تغيير. وقال إن إزالة وإنهاء مهام القيادات القديمة في لحظة تضر بالمنظومة العسكرية نفسها، وتساهم في تعرية القوات المسلحة من أهم مرتكزاتها.
وأشار بروف علي عيسى لذلك بقوله: إنه ذات الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته الثورة الإيرانية حينما جاءت وعرّت القوات المسلحة من كل منظوماتها الدفاعية والتخلّص من القيادات العسكرية ما ساعد العراق في اكتساحها إبان الحرب الثنائية بينهما وهذا جعل إيران تدفع الثمن لاحقاً لأن خطوتها لم تكن من أجل الوطن، وإنما كانت من أجل التمكين للثورة.
الإبدال تدريجياً
وقال عيسى إن الكوادر البديلة سوف تتأثر لأن العمل فني ويقوم على روح التيم الواحد والتفاهم ولأجل أن تؤهل كوادر يحتاج لزمن طويل لأجل أن يبلغوا المرحلة التي بلغها سلفهم ولسد الفراغ الذي تركته الخبرات القديمة. وقال يجب أن يجرى الإحلال والإبدال تدريجياً بالمزيد من العناصر التي يُراد بها إبدال المواقع لأجل الخبرة ولاكتساب روح الفريق الواحد، ولأنه عمل تنموي وإنتاج وأن إطار الجودة هو ما يميز هذا العمل الفني العسكري. وقال بغير ذلك فهو تعطيل لهذه المهمات الحيوية والمهمة للوطن وللمؤسسة العسكرية