البشير … تفاصيلُ صمتٍ مُتعمَّد!!
الخرطوم: أم سلمة العشا
نصف ساعة فقط استغرقتها جلسة التحري داخل الغرفة المغلقة الخاصة باللجنة المكلفة بالتحقيق في بلاغ تهمة تقويض النظام الدستوري، وتدبير وتنفيذ وقيادة انقلاب نظام الإنقاذ 1989م، والذي يواجهه المخلوع عمر البشير.
في المقابل حضر الرجل بزيه القومي (الجلابية والعمامة) الذي اعتاد عليهما منذ أن أدخل سجن كوبر مقره الثابت نتيجة حبسه بسبب تراكُم البلاغات التي فصل في أحدها بينما لا تزال البقية موضع التحري والتحقيق، وبذات الكيفية السابقة كانت الإجراءات والحراسة التأمينية المشددة، شملت الأجهزة الأمنية والشرطة والجيش والاستخبارات العسكرية وقوات الدعم السريع، صمت رهيب عمّ نيابة الخرطوم شمال، حيث مقر اللجنة المكلفة بالتحقيق، وبدقة متناهية في العمل أكمل طاقم النيابة الإجراءات المعتادة للعمل، حيث تم تنويه لكل المواطنين اللذين بحوزتهم بلاغات انتهاء العمل عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، حيث تم التفرغ لإجراءات التحري.
سجل محمد الحسن الأمين عضو هيئة الدفاع عن المخلوع حضوراً باكراً، لمقر النيابة، وإستبقت القوات المكلفة بالحراسة التأمينية مجيء البشير، وطوقت سيارات الشرطة العسكرية، والدفع الرباعي لقوات الجيش والدعم السريع، مقر نيابة الخرطوم شمال، تزامن حضور البشير من سجن كوبر مع موعد تناول وجبة الإفطار، وانتهز الفرصة محامي الدفاع الجلوس مع موكله وأحضرت إليه القهوة التي سبق وأن طلبها، في المقابل غابت جموع عمدت أن تُناصر الرجل في كل استدعاءاته من قبل النيابة والمحاكم، ولم تسجل حضورها كالمعتاد، حيث كانت تردد الله أكبر ومنصور بإذن الله وخلافها من الشعارات المعروفة لهم.
صمت مُتعمّد
لم تكن المره الأولى التي تستدعي فيها نيابة الخرطوم شمال الرئيس المخلوع عمر البشير للتحقيق معه بشأن انقلاب 1989م، وبحسب معلومات تحصلت عليها (الصيحة) أن الرجل رفض جميع الأسئلة التي طرحها مشرف التحري أحمد نور الحلا وكيل النيابة، معلومات كافية قال المخلوع إنه يملكها بشأن التهمة الموجهة إليه بتقويض النظام الدستوري، وتدبير وتنفيذ وقيادة انقلاب نظام الإنقاذ 1989، الذي جاء به رئيسًا للسلطة قبل 30 عامًا، بيد أنه امتنع عن الحديث والإدلاء بأي إفادات تتعلق بتهمة تدبير وتنفيذ الإنقلاب العسكري، الذي تحقق فيه اللجنة المكلفة بالتحقيق من قبل النائب العام بمقر رئاسة نيابة الخرطوم شمال.
طلب وامتناع
لقاء غير مُرتّب له جمع البشير ومحامي دفاعه محمد الحسن الأمين قبيل انعقاد جلسة التحري، حيث اغتنما الفرصة وجلسا قُبيل بدء جلسة التحقيق من قِبل اللجنة الذي تزامن مع موعد تناول وجبة الإفطار وصلاة الظهر، كانت الوصايا من الأولويات التي حرصت هيئة الدفاع عليها لموكلها البشير، بعدم التحدّث بأية معلومة تتعلّق بالبلاغ، وطبقاً للمصادر أن البشير طلب من اللجنة بأن تتحدث إلى محامي الدفاع بدلاً عنه، كان الامتناع سبب كافٍ لإنهاء الجلسة التي انتهت في نصف ساعة، بخلاف الموعد الذي استغرقته الجلسة السابقة.
تناول البشير القهوة قبيل بدء التحقيق معه، لا نستطيع القول بأن اللجنة فشلت في اعتراف أو الحصول على معلومة من البشير، بشأن التحري في البلاغ، ولكن ما صرح به محامي الدفاع من معلومات تؤكد أن الرجل ملتزم بوصايا هيئة الدفاع عنه، وأن اللجنة تحدثت معه دون جدوى، وأجرى التحري وكيل النيابة أحمد نور الحلا، وكامل أعضاء اللجنة، التي يرأسها سيف الدين اليزل رئيس نيابة الخرطوم شمال، ورئيس المباحث الجنائية الأسبق عابدين الطاهر، وأبلغت مصادر (الصيحة) بأن البشير رفض الإدلاء بأية معلومات بإيعاز من عضو هيئة الدفاع عنه.
إجراءات طعن
تمسكت هيئة الدفاع بشكوكها تجاه اللجنة المكلفة بالتحقيق في بلاغ 1989م، وقال عضو هيئة الدفاع عن المخلوع، محمد الحسن الأمين للصحفيين أمس عقب انتهاء التحري، أن اللجنة قامت بالتحقيق مع البشير حول ما يسمى بإنقلاب ثورة 1989، وأشار إلى أن البلاغ مفتوح باسم المواطن تاج السر علي الحبر الذي أصبح نائباً عاماً، وبالتالي أصبح صاحب مصلحة، وأضاف “بقاؤه كنائب عام لا يسمح لأي من المتهمين، بأن يدلي بأية أقوال، وأوضح هذا ما ذكره البشير، حسب النصيحة التي قدمتها هيئة الدفاع، والتي تنص “على المتهمين ألا يدلوا بأي شيء في هذه اللجنة التي كونها الشاكي نفسه لأن الشاكي في هذا البلاغ هو الحبر وثلاثة آخرون توفي أحدهم لرحمة مولاه، بالتالي لم يدم التحقيق طويلا”. وقال إن البشير امتنع عن الإدلاء أمام اللجنة، بأية أقوال كما فعل بكري حسن صالح، وبقية المتهمين في هذا البلاغ.
وقال الأمين إن هيئة الدفاع عن البشير وضعت أمام المحكمة الدستورية إجراءات طعن دستوري في اللجنة وتكوينها لأنها مكونة من قِبل الشاكي النائب العام.
وكان محامون دوّنوا بلاغاً ضد الرئيس المعزول، عمر البشير، ومعاونيه؛ بتهمة تقويض النظام الدستوري، عبر تدبيره الانقلاب العسكري، عام 1989.
وفي 30 يونيو من ذلك العام، نفّذ البشير انقلاباً عسكرياً على حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي، وتولى منصب رئيس مجلس قيادة ما عُرف بـ”ثورة الإنقاذ الوطني”، ثم أصبح رئيساً للسودان، في العام ذاته، ولمدة 30 عاماً.