تجدُّد الصراع بـ”أبيي” لإحداث البلبلة والربكة لمنبر جوبا …
برتكول “أبيي” مُختَرق وأشبه (بعقد الإذعان)
نسمح لدينق ألور أن يمثلنا بمجلس السيادة.. لهذا السبب
النظام السابق زجّ بالمنطقة الواقعة شمال بحر العرب في النزاع
أشك أن “أبيي” تمّت تسويتها سياسياً بين أمريكا والحكومة السابقة
حوار: نجدة بشارة
اتهم الخبير الإستراتيجي بشؤون منطقة أبيي والمحافظ السابق لها الفريق شرطة عبد الرحمن حسن، الجيش الشعبي بوقوفه خلف تأجيج الصراع بمنطقة أبيي في هذا التوقيت، بهدف خلق البلبلة والربكة للمفاوضات الجارية الآن بجوبا لحكومة الشمال وحركات الكفاح المسلح، وقال إن الجيش الشعبي يتهيب أي تقارب يمكن أن يحدث بين حكومة الجنوب والشمال، حتى لا يتسبب ذلك في تقليل فرص دعم حكومة الجنوب له في قضية أبيي.
وتحدث حسن عن مشاكل المنطقة، وفرص الحلول، كاشفاً عن تقديم وثيقة للمجلس السيادي ولمجلس الوزراء أوضح فيها فرص التعايش السلمي بين قبيلتي الدينكا نقوك والمسيرية، وقال: لا نرفض أن يمثلنا دينق ألور بالسيادي أو بمجلس الوزراء لحلحلة قضايا المنطقة.
*كيف تقرأ تجدد الصراع بمنطقة أبيي؟
أرى أن قضية أبيي من القضايا الهامة التي شغلت الحكومة والرأي العام لسنوات طويلة، ولكن أعتقد أن النظام السابق قام بحشر هذه القضية في مفاوضات نيفاشا، وكان يجب أن يحل النزاع بمشاركة أصحاب المصلحة من الطرفين (دينكا نقوك) و(المسيرية)، لكن وضعت الحلول (ببرتكول)، وهذا البرتكول أشبه (بعقد الإذعان) نسبة لأن ما جاء به هو القس الأمريكي (دان فورث)، ويحسب الـ (اسي آي أي) وبالتالي طبيعي أن يكون مخترقاً بواسطة أبناء الدينكا نقوك، على رأسهم د. فرانسيس دينق، وحقيقة كان يوجد خلل كبير بالوثيقة أو البرتكول، وكان يجب أن يُعدّل.
*عفواً ما هو الخلل الوارد بالبرتكول؟
ذكرت بالوثيقة مشيخات (دينكا نقوك) التسع، ولم يرد ذكر قبيلة المسيرية كطرف شريك بالمنطقة، أيضاً تحدثت عن الاستفتاء ولم تبين من الذي يُستفتَى أو يحق له الاستفتاء، أيضاً في مسألة ترسيم الحدود، ما كان يجب أن تستثني الحكومة السابقة، أو تتنازل عن حدود 1956م باعتبار أن القضية المعنية للمنطقة التي ضمت عام 1902م، وهذه المنطقة تقع جنوب بحر العرب وتبعد عنها 40 ميلاً، والشاهد هو منطقتا أبوحديدة أو (أبو نفيسة )، وحقيقة كل المؤرخين الذين كتبوا عن المنطقة والرحالة والأجانب أثبتوا أن المنطقة المتنازع عليها هي جنوب بحر العرب، لكن النظام السابق زج بالمنطقة التي تقع شمال بحر العرب بالنزاع، ومع احترامي لقيادات الدينكا إلا أنهم نسوا أو تناسوا التاريخ.
*ذكرت أن النظام السابق زج بالمنطقة الواقعة شمال بحر العرب بالنزاع لماذا في اعتقادك؟
هذا يدل على أن الحكومة السابقة وقعت في أخطاء كثيرة حتى الأخطاء المتعلقة بقضايا السلام، وكل البرتكولات المُوقّعة من برتكول منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيي، وأكبر أخطائها فصل الجنوب، والذي كان يجب أن يتم بعد ترسيم الحدود، إلا أنها خضعت للبرتكول ووقعت في هذا الخلل الكبير.
*ولماذا في رأيك لم تنتبه لهذا الخطأ؟
لأن الحكومة كانت تعول على أن تقدم تنازلات لصالح أمريكا حتى تقف معها، وتدعم أطروحات الحكومة، لكن للأسف كل الوعود التي كان يفترض أن تقدم بعد التوقيع على البرتكول ذهبت أدراج الريح، لذلك تفاقمت المسألة
فيما يخص قضية أبيي، وكما أشرت إلى أن النظام السابق رهنها مقابل تطبيع علاقاته مع أمريكا؟
أنا أشك أن منطقة أبيي تمت تسويتها في إطار الشأن السياسي القائم ما بين أمريكا والحكومة السابقة، وكل المعطيات تشير إلى أن قضية أبيي (ما كانت لتكون القشة التي تقصم ظهر البعير)، وكان يمكن أن يختصر النزاع على قبيلتين فقط، لأن القبيلتان متداخلتان ومنصهرتان، وأغلب أبناء الدينكا تعلموا داخل ديار المسيرية، وشخصياً لدي الكثير من الزملاء من الحركة الشعبية بالطرف الثاني، لذلك أعتقد أن مشكلة أبيي ضُخِّمت بالبرتكول وكان يمكن أن تُبسّط أكثر من ذلك.
*حسب معلوماتك ما أسباب تجدّد الصراع في هذا التوقيت؟
للأسف رقابة حكومة الشمال بعيدة، مما أعطى حكومة الجنوب الفرصة للقبض بيد من حديد على كل ما يجري الأن داخل منطقة أبيي، وهنالك القوات الأممية (اليونسفا)، وحقيقة وجود هذه القوات أشبه بالاحتلال، وأعتقد أنه يجب مراجعة تواجدها، لأنه رغم أنها قوات لحفظ الأمن إلا أنها لا تستطيع حماية نفسها، وصلتنا صور ومعلومات عن اعتداء الحركة الشعبية على جنود (اليونسفا)، ويظهر فرض الحركة وهيمنتهم على هؤلاء الجنود وهم يرقدون في استسلام على الأرض، وهذا بالتأكيد ينقل رسالة سيئة، حسب المعلومات الواردة بأن تم الأعتداء على العرب الرحل، أمام مرأى ومسمع من قوات “اليونسفا” بسوق (النعام)، وقتلوا سبعة من المواطنين، وقتلوا اثنين من قوات “اليونسفا”، وهذا السوق من الأسواق المخترقة، ورقابة الإشرافية ضعيفة هناك.
*هل ترى أن هذه الأحداث السبب في استقالة رئيس الإشرافية؟
حقيقة رئيس الإشرافية من رموز النظام السابق، وتم تعيينه بواسطة حكومة البشير، وحتى التقرير الذي قدمته الإشرافية في عهده يُعَد من أسوأ التقارير، لذلك كان بالضرورة إعادة النظر، إما بإقالته أو أن يتقدم هو بالاستقالة.. في النهاية هو امتداد.. ولابد من دماء جديدة.
*هنالك حديث عن أن من قام بقتل المواطنين هم مليشيات تتبع للنظام السابق؟
لا هم من الدينكا يتبعون للحركة الشعبية.. ولا توجد مليشيات تتبع للنظام السابق، فقط هم (الرحل)، يدخلون لهذه المناطق في أوقات معينة، ويتم تنظيم دخولهم بالمواثيق والأعراف، وبالتأكيد هذا يقود إلى الحديث عن أنه في السابق كانت هنالك سلطة للإدارات الأهلية، في إدارة تحركات (الرحل ) جنوباً، لكن هذه الإدارات تم إضعافها من قبل النظام السابق الذي جعلها تدور في فلكه، باتت هذه الإدارات أضعف من أن تحل أبسط النزاعات التي تنشأ بالمنطقة من حين لآخر، لذلك أُوصي بمراجعة هذه الإدارات لتعود سيرتها الأولى.
*تزامنت الصراعات الحالية مع المفاوضات التي تقودها حكومة الشمال بجوبا، ومعلوم أن ملف أبيي ما زال خميرة عكننة بين الدولتين كيف تقرأ ذلك؟
نعم، أنا شخصيًا أُشبِّه قضية أبيي بإقليم (ناغورونو كاراباخ ) في أذربيجان، هُجّر إليه الأرمن، وهي منطقة غنية بالبترول والثروات، الأرمن طالبوا بحكم ذاتي أو بضم المنطقة لأزربيجان، وهذا أقرب في الشبه بمنطقة أبيي والدينكا نقوك الآن هم دخلوا لمنطقة أبيي عام 1904م، من جنوب السودان وتعايشوا مع المسيرية، والآن بات صوتهم يعلو بضم المنطقة لجنوب السودان أو الحكم الذاتي، وفعلاً أبيي منطقة غنية وبها ثروات، لكن صراحة هنا بالخرطوم توافق عدد من أبناء الدينكا نقوك، والمسيرية المحبين للسلام، قبل تفجّر الصراع سبق وقدمنا وثيقة لرئيس المجلس السيادي (البرهان)، عبر عضو مجلس السادة (صديق تاور)، ووثيقة مماثلة لرئيس مجلس الوزراء (حمدوك) عبر آلية من آليات السلام.
*ما مضمون هذه الوثيقة؟
مضمونها أن المسيرية لديهم رغبة كبيرة في السلام والتعايش السلمي، لكن الدينكا نسبة لأنهم ماسكين العصا الغليظة، وتقف خلفهم (وقوفاً كبيراً) حكومة الجنوب على رأسها سلفاكير يقف مع الدينكا بدلالة تكريمه لعدد من قيادات الدينكا قبل أشهر منهم (دينق ألور)، وهو الآن برئاسة جمهورية جنوب السودان يرعى ملف أبيي، بعكس تجاهل القضية من قِبَل الحكومة بالشمال، حيث يوكل أمر إدارة القضية للإشرافية فقط، ولا موقع لها عبر مجلس السيادة أو مجلس الوزراء.
* كيف كان رد المجلس السيادي على الوثيقة؟
المجلس السيادي أشاد بالوثيقة، وأعلن دعمه لقضية التعايش السلمي، وكان يمكن أن تمضي إلى الأمام، وربما لكثرة القضايا العالقة المهام الجسام الملقاة على عاتق الحكومة الانتقالية ربما لم يتم الالتفات بصورة جادة بشأن الوثيقة، ولكن الآن عبر هذا اللقاء أناشد المجلس السيادي ومجلس الوزراء وضع آليات فاعلة والنظر إلى قضية أبيي بمثل حكومة الجنوب التي تأخذ هذا الملف مأخذ الجد.
*إذن أنت ترى أن حكومة الجنوب تقف خلف الدينكا؟
الشاهد أن أبناء الدينكا نقوك هم المسيطرون على الحركة الشعبية الحاكمة بدولة الجنوب، وهذا ما أعطاهم الصوت والوضعية بحكومة الجنوب، بالمقابل هنالك من يرى أن الدينكا يتبعون للشمال، وأنهم فقط وجدوا ضالّتهم في عهد جون قرنق، في الشمال نرى أنه حتى إذا جاء دينق ألور يمكن أن يمثلنا بمجلس السيادة أو بمجلس الوزراء، وقبل ذلك كان هنالك د. فرانسيس دينق سابقاً بوزارة الخارجية، وما زلنا نمد أيدينا لأبناء الدينكا، ونحن على علم أن شريحة كبيرة من الدينكا منتشرة بالشمال، ولديهم مدن في سنار، القضارف، كسلا، دنقلا… إلخ, وبعضهم يتبوأ المناصب العليا، لذلك أرى أن ما يحدث بأبيي خطير ويجب احتواؤه .
*هل ترى أن تجدّد الصراعات له علاقة بالمفاوضات أو تخطيط مُدبّر لعرقلتها؟
صراحة في الأول لي كلمة حق.. نشيد بحكومة الجنوب لاستضافتها منابر السلام لفرقاء الشمال، لكن أعتقد أن ملف أبيي شوكة في خاصرة الدولتين، ويجب أن يتنبه الطرفان، ويسعون بجدية لطي الملف ، أرى أن الجيش الشعبي يقف ضد أي تقارب يحدث بين الشمال والجنوب، في أعتقادهم أن أي تقارب يقلل من فرصهم في ألأستأثار بالمنطقة، لذلك أتهم الجيش الشعبي في أنه طرف في تأجيج الصراع لإثارة البلبلة للتسبب في فشل المفاوضات، لكن نحن كطرف بالمسيرية نرى الحل في المعايشة، لابد أن يكون هنالك شكل من أشكال الحكم يرضي الطرفين، ويمكن أن نمثل أبيي بهونغ كونغ السودان في أن يحدث تكامل بين القبيلتين، لذلك لابد أن يحدث اختراق للتعايش، لذلك أعتقد أن المرحلة القادمة يجب أن تكون آليات جادة للعبور بالقضية إلى بر الأمان.
*الجيش أعلن عن تسوية مشكلة أبيي عبر لجان التعايش ما هي اللجان المقصودة؟
ربما تتشكل عبر آليات من الإدارات الأهلية ومن أبناء القبيلتين المستنيرين، لكن اللافت للنظر إلى قضية مهمة يجب أن تبدأ هذه اللجان بحلها، وهي مشكلة مقتل القيادي ناظر الدينكا (كوال دينق) قبل فترة قريبة، قتل بمنطقة من المناطق المحسوبة على المسيرية، بسبب أن قوات “اليونسفا” أخذته معها إلى هذه المنطقة، وحدث إطلاق نيران بالمنطقة قتل على إثرها (كوال)، هذه القضية ما زالت تمثل إشكالية ورواسب يجب إزالتها بلقاء أسرته وترضيتها حتى إذا اقتضى دفع الدية، لأن كوال كان من الشخصيات المهمة بمنطقة أبيي، كما أوصى بتكوين آلية لمعالجة الترسبات العالقة حتى تصفو النفوس بين القبيلتين، ويجب مراجعة قوات “اليونسفا”.
*هل تعتقد أن بقاء (اليونسفا) بأبيي بسبب أيادٍ خارجية تعبث بأمن المنطقة؟
أرى أن هذه القوات كلما تقترب فترة نهاية فترتها يتجدد الصراع بالمنطقة، فيتم تلقائياً التجديد لهذه القوات، بالتالي هذه القوات متهمة بتأجيج الصراع، وأنها تغض الطرف عن الكثير من النزاعات، ولا تعالج الخلل الأمني الذي يحدث بالمنطقة، وأنها تغض الطرف عن كل ما يبدر من ممارسات للحركة الشعبية تجاه العرب الرحل، هذه القوات جاءت بطلب من الاتحاد الأفريقي، قوات السلم الأفريقية، والآن لديها فترة طويلة بمنطقة أبيي لكن أعتقد أنها لم تحقق أي نجاح على الأرض يحسب لها طيله فترة بقائها، وهي قوات بلا شك ضعيفة لا تستطيع حتى الدفاع عن نفسها.
*ملف أبيي سبق وتم الاحتكام عليه في محكمة لاهاي؟
وكان الذهاب بالملف للاهاي تحصيل حاصل.. وأنا كنت من الذين حضروا التحكيم في لاهاي، أعتقد بأنه لو كان هنالك عدل، أرى أن جانب حكومة السودان كان عادلاً جداً… تقدمنا بـ67 مستنداً، مقابل أربعة أو اثنين من المستندات من قبل الدينكا، كل الدفوعات كانت تظهر بالبراهين أن أبيي تتبع للسودان الشمالي، لكن صدر حكم جائر وتفاجأنا بمسألة الاستفتاء، وبالتالي القاضي عوني أردني الجنسية انسحب من المحكمة، وكتب مذكرة بأن هنالك تآمراً بالحكم وحيادية، وهنالك انحياز فانسحب من المحكمة، لذلك لم تستطع الأمم المتحدة تنفيذ القرار، وكان هنالك مقترح تم في أثيوبيا يقضي بتعديل هذا القرار، ولكن الدينكا لأنهم أصحاب مصلحة قالوا: لم نشارك في التحكيم، وكان هنالك قرار آخر بأن تكون هنالك إدارة مشتركة لتشارك الحكم، وهذا رفضته الحركة الشعبية، وتمسكوا بإجراء الاستفتاء، الآن بات الصراع يتجدد من فترة لأخرى.