الخرطوم: جمعة عبد الله
تحيط الشكوك والضبابية بمستقبل سعر الصرف خلال الفترة المقبلة بين الانفلات والنقصان، فيرى البعض أن عدم وضوح السياسات الحكومية سيمكن السوق الموازي من التمدد وفرض سعر يتحكم فيه تجار العملات، فيما يرى آخرون أن إجراء إصلاحات ولو مرحلية سيمكن الحكومة من السيطرة على سعر الصرف الذي شهد مؤخراً انفلاتاً واضحاً.
وتراوحت قيمة الجنيه مقابل الدولار ما بين “94- 97” جنيهاً في الأيام القليلة الماضية، حيث شهد سعر السوق الموازي تغييرات مفاجئة حيث كانت أسعاره لا تتجاوز “80” جنيهاً طوال الأشهر الماضية.
ولا تعد أسعار الصرف في السودان “واقعية” حتى في الظروف العادية، لكونها تعتمد على عدة مؤشرات لا علاقة لها بالاقتصاد، وهو ما يجعلها ترتفع وتنخفض ثم تعاود الارتفاع مجدداً، كما تعتبر المضاربات ونشاطات الوسطاء أحد أسباب ارتفاع أسعار الصرف.
وفي المقابل تُشكل التدابير الحكومية ولو كانت صورية من دون تنفيذ، سبباً لانخفاضها، كما تتسع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي بأكثر من 50% من قيمة العملة الحقيقية، وهو ما يجعل تحديد سعر واقعي أمراً بعيداً عن المعطيات.
وقال أحد المتعاملين في تجارة العملات، تحدث لـ “الصيحة”، أن أسباب الزيادة راجعة بشكل أساسي لتزايد الطلب عليه مقابل المتاح منه، مشيراً لاتجاه عدد من المواطنين لتحويل مدخراتهم من العملة المحلية إلى دولار حتى لا تفقد قيمتها بفعل التضخم، وقال إن مبلغ “100” دولار على سبيل المثال كان قبل عدة أشهر لا يتجاوز 6 آلاف جنيه، لكنه الآن تضاعف لأكثر من “9.5” ألف جنيه.
ويقول المحلل الاقتصادي، د. طه حسين أن الظروف الحالية تجعل مهمة تحديد سعر معين للصرف “عسيرة” وغير ممكنة، مشيراً إلى أن السيطرة على سعر الصرف لن تتم بإجراءات ظاهرية لا تلامس جوهر المشكلة، موضحاً أن مراجعة وتعديل السياسات النقدية التي يصدرها البنك المركزي يعد أول مطلوبات المعالجة، لافتاً إلى أن الحل مشمولاً بمعالجات جذرية للاقتصاد الكلي.
وتواجه الحكومة مهمة عسيرة، بيد أن جزئية استقرار سعر الصرف مهمة عسيرة على الحكومة فقبل عامين لم يكن الدولار يتجاوز “28” جنيهاً كسعر رسمي تتعامل به الحكومة وبنك السودان المركزي، فيما كانت أسعار السوق الموازي تتراوح ما بين “33- 40” جنيهاً، وبعد ذلك عدلت الحكومة السعر الرسمي إلى “45” جنيهاً، لكن أسعار السوق الموازي فاقت كل التوقعات ووصلت لمستوى قياسي لم يكن يتوقعه أحد.
وأدت سياسات حكومية طبقت منذ العام الماضي لإحداث اختلالات مؤثرة على أسعار الصرف منها اتجاه الحكومة لتحرير الجنيه ومساواة السعر الرسمي بالموازي، بعكس ما كان يحدث قبل ذلك حيث كانت تجارة الدولار وتسعيره في السوق الموازي يتم بشكل مقارب للسوق الرسمي للحكومة ممثلة في بنك السودان المركزي، وكان الفارق بين السعرين لا يتجاوز بضعة جنيهات، ولكن مع استمرار وتفاقم مشكلات الوضع الاقتصادي بات من الصعوبة الحصول على تلك العملة عبر المنافذ الرسمية للحكومة، التي عانت بدورها من ندرة في العملات الأجنبية التي يتصدرها الدولار مع عجز بائن في الميزان التجاري، جعل مهمة المعالجة أكثر تعقيداً.