المهدي وأوان الترجُّل..انعقاد المؤتمر العام واعتراض الأنصار.. متاريس أمام رغبة تنحي الإمام!
تقرير: عبد الله عبد الرحيم
في عام ٢٠١٢ وبمناسبة عيد ميلاده الـ(٧٧)، فاجأ الإمام الصادق المهدي الحاضرين من أهله والضيوف الأجانب وعدداً كبيراً من الدبلوماسيين والصحفيين حينما أعلن في تلك المناسبة عن نيته التنحي عن قيادة الحزب وكيان الأنصار خلال الفترة القادمة بعد تدريب بعض القيادات لتقوم المؤسسات باختيار خليفة له، وأنه سيتفرغ بعدها للأعمال الفكرية والاستثمارية.
وتكرر ذات السيناريو في عدة مناسبة أخرى، ولكن في أغسطس من العام 2018 حينما طالبت قيادات شبابية بحزب الأمة بضرورة عقد المؤتمر العام الجامع لاختيار رئيس جديد للحزب بديل للصادق المهدي. فيما ناقشت القيادات الشبابية قضية رئيس الحزب الذي اتخذ من وجوده بالخارج درعاً لمعاداة النظام البائد عدة أشهر، الأمر الذي جعل الحزب وقتها يمضي دون وجود رأسه المدبر وقاعدته، فصار لقمة سائغة وقتها لبقية القوى السياسية، وتفرقت قياداته بين الأحزاب المنشطرة عنه.
وقاد شباب حزب الأمة تياراً داخلياً بعيداً عن المؤسسات الرسمية التي تشمل الأمانة العامة والمكتب السياسي، وقاموا بالتخطيط لتقديم خارطة طريق بشأن إدارة الحزب وترتيب أولوياته، وتفعيل آليات المعارضة المدنية وعقد المؤتمر العام الثامن الذي تم إرجاؤه لعدة أعوام واختيار رئيس وأمين جديد للحزب.
وفي وقت لاحق من نفس العام وخلال احتفاله بعيد ميلاده السنوي الذي درج على إقامته، أعلن الإمام الصادق المهدي عن رغبته في التنحي عن إدارة الحزب واعتزال العمل السياسي، فيما ترك الباب مفتوحاً أمام الخيارات القادمة لإدارة شؤون الحزب، فيما ما زال أمر التنحي وقتها مشكوكاً فيه لجهة تمسك المهدي بالمنصب لعدم إعلانه الزمان والمكان المحدد للتنحي.
تأكيد الرغبة
وبالأمس القريب أعلن المهدي رغبته الأكيدة في التنحي، وأزاح بشكلٍ قاطع رئيس حزب الأمة القومي، الأسباب الكاملة لتنحيه عن رئاسة حزب الأمة والعمل التنفيذي. وأعلن المهدي أنّه قرّر بصورة قاطعة بأنّ يتجّه نحو الأعمال الفكرية ولكاتبة السيرة النبوية وتفسير القرآن الكريم، فضلاً عن مهامه الأممية والإفريقية والإسلامية ولا سيما وأنّه رئيس منتدى الوسطية العالمي. وأكّد أنّ تلك المهام تتعارض مع أيّ عمل تنفيذي أو حزبي. وأشار إلى أنّ تلك المهام تتعارض مع مشروعه العالمي، لذا قرّر التنحي عن الحزب وفتح الفرصة لقيادة جديدة في الحزب.
فيما أوضح المهدي أنّ حزب الأمة زاخر بالكوادر التي تستطيع أنّ تعبر بالحزب، وأبان أنّ هذه الخطوة تأتي مكملة لديمقراطية الحزب وتجديد دمائه. وقال الصادق إنّ تلك الخطوة قديمة إنّما تجدّدت في الظرف التاريخي الحالي الذي تمرّ به البلاد. فهل تكون هذه المرة هي الأخيرة التي يعلن فيها الإمام الصادق رغبته اعتزال السياسة والتنحي عن رئاسة أكبر أحزاب السودان، أم إن لأعضاء الحزب وكيان الأنصار رأي مخالف قد يضع الحد لرغبات الإمام؟.
ظروف مشابهة
يأتي هذا، فيما تشهد ساحة حزب تقليدي آخر مشابه، ململة أيضاً وسط شبابه الذي يقود تياراً لاختيار قيادات جديدة من الشباب قادرة على العطاء في وقت بلغت فيه قيادات الحزب التاريخية من العمر ما يفوق مقدرته على العطاء. ويبدو وحسب التأكيدات أن شباب حزب الأمة طالب من قبل بتغيير القيادات وإعطاء مساحة لشباب الحزب في كابينة القيادة الحزبية لذات الأهداف التي دفعت الاتحاديين للتنادي بضرورة إفساح المجال لقيادات جديدة لتولي زمام أمر التجديد في الحزب واختيار رئيس جديد لمواكبة التغييرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على الساحة السياسية وظهور شباب الثورة الذي خرج من كل الكيانات السياسية والحزبية وأدى إلى التغيير المشهد.
ولهذا يرى بعض المراقبين أن الإمام الصادق وبرؤية القادر على قراءة مجريات الأحداث، أراد أن يحافظ على شباب حزبه وعضويته حتى تلك التي خرجت في سنوات خلت، وتكبير حصته وحظه السياسي بهذا الإعلان عن التنحي بعد أن رفع من فاعلية الحزب الذي نشط مؤخراً وقام بتنشيط قاعدته استعداداَ للاستحقاقات الدستورية المقبلة.
ويرى هؤلاء أن المهدي بهذه الدعوة التي يقف ربما كثيرون من مريديه داخل الحزب ضد هذه الرغبة لتظهر من ثم ديمقراطية الرجل والحزب العجوز على نحو مغاير من أحزاب أخرى التي لا زالت قياداتها تستمسك بمقود الرئاسة لحين إشعار آخر.
مؤسسية الحزب
الأستاذة ندى جوتار عضو المكتب السياسي لحزب الأمة تقول لـ(الصيحة)، إن الفكرة لم تكن فكرة تَنَحٍّ ولكنها كانت رغبة قديمة للأمام الذي يرى أنه من الضروري أن يتفرغ للقضايا العامة، وترى أن الحزب حزب مؤسسات ولا علاقة للانتخابات القادمة بأي تغيير يطرأ على ساحة الحزب.
وتقول ندى أن الحزب حزب مؤسسات ولا يمكن أن يترك الإمام رئاسة الحزب ما لم يقدم استقالته إلا عبر المؤتمر العام الثامن القادم والذي من أولى أولوياته هو ترشيح رئيس بديل خلفاً للإمام.
وتقول عضو المكتب السياسي، إن الحضور في ساحة ميدان الخليفة والذين شهدوا تلك الليلة كانوا يرون دون رغبة الإمام ويريدون استمراره في رئاسة الحزب حينما قاطعوه رفضاً لتلك الرغبة في الوقت الذي يرى الإمام أن المهام الملقاة على عاتقه أكبر ولابد له من أن يتنحى.
وتشير ندى إلى الاستقالة التي تقدمت بها الأستاذة سارة نقد الله من قبل تأكيداً لمؤسسية الحزب الذي تحال إليه مثل هذه القضايا المتعلقة بكيان ومهام مؤسسات الحزب الكبير. وترى أن المهام الجديدة للإمام أكثر تأثيراً على السودان الوطن الكبير ومكانته الدولية باعتبار أنه رئيس منتدى الوسطية العالمي.
وأكّدت أنّ تلك المهام مع مشروعه العالمي، وقطعت ندى بأن المؤتمر “الثامن” القادم الذي يُعِدُّ له الحزب الآن هو الذي سوف يحدد من يرأس الحزب بعد الإمام الذي حزَم أمره تماماً لترك رئاسة الحزب. وقالت إن الإعداد يجري على قدم وساق للمؤتمر العام الثامن، وقد بدأ تكوين مؤتمراته القاعدية بالإضافة إلى تكوين لجنة عليا له وهو الذي يأتي برئيس جديد لحزب الأمة القومي. وقالت إن الإمام لم يفرض نفسه على الحزب، وإنما جاء رئيساً للحزب عبر مؤتمر عام، ولذلك فإن المؤتمر العام هو الذي يحدد الرئيس الذي سيخلفه على رئاسة الحزب في الوقت الذي لا يتطلب الأمر منه تقديم استقالته لجهة أن قرار التنحي جاء عن رغبة أساسية وأكيدة.
تركة مثقلة
ويقول عروة الصادق مدير المركز الإعلامي لحزب الأمة، إن المهدي يعد أطول رؤساء الحزب بقاء في سدته، وللأسف لم تحظ هذه المدة رغم طولها باستقرار، إذ أنها تبدّدت بين الاعتقال والتشريد والنفي والملاحقة الأمنية والجنائية، ودفع لذلك فاتورة باهظة الثمن من ماله ووقته وعمره حتى أن أبناءه كانوا يعرفونه كصورة معلقة بجدران المنزل، نال في هذه المدة النصيب الأوفر من محاولات الاغتيال المادي والقتل المعنوي التي لم تخل من الإساءة والتجريح والسباب. مع ذلك حظي بالتأييد الشعبي الأوفر وصدقت فيه معايير الاختيار للقيادة أعلاهم همة وأوفاهم ذمة وأوفرهم إيماناً، زاد عليها الجهاد والاجتهاد، ورفد الكيان بإنتاج فكري وإسهام جعله يتموضع في صدارة القوى الفاعلة في السودان، لذلك قوبل القرار الذي اتخذه بالتخلي عن المسؤوليات التنفيذية في الحزب بالرفض الواسع والاحتجاج العارم.
لا اتجاه للتوريث
ولكن الأستاذة ندى جوتار عضو المكتب السياسي لحزب الأمة، ترى أن الإمام ما يستطيع تقديمه للحزب قدمه، ولذلك فهو يرى ضرورة ترك وإفساح المجال لغيره ليقدم الجيد في دائرة الحزب الكبير. وحول فتح الباب كبيراً وواسعًا أمام من يخلف الإمام في رئاسة الحزب ترى أن الحزب زاخر بالقيادات والكوادر ولم تكن هذه بالمعضلة الكبيرة أمامه، وتقول إن أي قيادي بالحزب فهو مؤهل تماماً لرئاسة الحزب.
وتنفي ندى ما يُروّج في الساحة السياسية بأن الإمام يسعى لتوريث الحزب، تقول عضو المكتب السياسي إنها رغبات وأماني بعض الذين يقولون بذلك، وتؤكد أن ساحة الحزب خالية تماماً من مثل هذه الأفكار بقولها: “إن من يقول بأن الحزب حزب رجل واحد فهو خاطئ وكلامه غير صحيح”، في الوقت الذي ترى فيه أن مسألة (البيتية) والتوريث، والإشارة لذلك، هي أشواق لبعض الناس، مؤكدة أن حق الترشُّح للرئاسة مكفول لكل أعضاء الحزب بمن فيهم آل بيته.
التفرُّغ للمهام
فيما يقول عروة الصادق، إنه يقف بشدة مع خيارات السيد رئيس الحزب الذي ينبغي أن يتفرغ لمهامه الإقليمية والعالمية التي علّل قراره بها، لأنه في نظري يمكن أن يفتح آفاقاً للسودان وللمنطقة بحكم تواجده في مشارب عديدة ومنصات أكثر اتساعاً من مواعيننا الحزبية الضيقة التي شوهتها ممارسات العهد البائد ومشاغبات المتأثرين بتركته المثقلة، لذا فمن الأوجب التصدي الآني لقضية ملء مقعد المهدي حال شغوره بمن هو أو هي أهل لذلك، فقد وصل الرجل وأوصل الكيان إلى أوج النصر ودفع فاتورة قلّ أن يدفعها قائد سياسي أو ديني. وأكد أن هذه الدعوة ستُجابَه بالرفض الشديد، ولكني ـ والحيث لمدير المركز الاعلامي ـ على قناعة أن الرأي السديد هو ما قاله المهدي ليضع الحزب قدمه في أولى خطوات التأسيس الرابع بتجديد الفكر والخطاب والبرامج والقيادة.
عامل السن
وفي هذا يرى الأستاذ أحمد عبد الرحمن صديق، وهو من أنصار حزب الأمة، إن عامل السن والعمر بالنسبة للإمام الصادق المهدي هو الذي دفعه لهذا الاتجاه، وأنه لا يسعفه من أن يكون رئيساً للحزب في الفترات القادمة التي تحتاج لنشاط دؤوب وحركة ديناميكية فيما بعد، بيد أنه لم يُسَمِّ خليفته، ولم يعلن أيضاً ميعاد تنحيه رسمياً لأنه لم يقدم خطاب تنحيه بعد غير الذي أعلنه شفوياً وهو لم يؤخذ به رسمياً، لكنه قد يضع حداً لكل الافتراءات التي تقول باتجاهه لتوريث الحزب.
يأتي هذا وقد بدأ المهدي تعبئة جماهيره وتنشيط أنصار الحزب العتيق في كل ربوع السودان للمرحلة الانتخابية القادمة مبكراً، حيث بدأ الصادق المهدي في آخر لقاء له بحوش الخليفة عبد الله بأم درمان وكأنه يقود حملة انتخابية إثر تلبية أعداد مهولة من أنصاره وحضورهم ذاك الجمع.
إعلان مبكر
بيد أن طوال هذه السنوات الأواخر في العام 2012- 2016-2017-2018-2019-2020م ، لم يتوانَ الإمام الصادق المهدي في إعلانه عن رغبة أكيدة تخليه عن ممارسة العمل السياسي لأسباب مختلفة، ولكن الحقيقة الواضحة أن تقدُّم إمام الأنصار في السن يبقى هو الدافع الأول وراء تلك الدواعي والنوازع الداخلية للمهدي، الذي أكد أن العمل في السياسة قد “أفقره”، يأتي ذلك وقد وصف الصادق المهدي في تصريحات له أوضاع مشابهة تجري في حزبه من خلافات وتصدعات بأنها (أعراض تسنين)، وهو يصف تلك التحركات الرافضة لنهجه في قيادة الحزب واتهامه بالمحاولة لتفعيل مبدأ التوريث، تفسيراً لخطوته حينما قام بتقريب بعض أبنائه من الدوائر المهمة في الحزب وإسناد أمرها لهم مثل مريم الصادق وصديق الصادق وبعض أفراد العائلة، في الوقت الذي تجد فيه هذه الخطوة وقوفاً صلداً مما تبقى من قيادات الأنصار وشبابهم الذين يرفضون مبدأ التوريث داخل حزب الأمة.
ويبقى الناظر لحال الحزب الآن في عجلة من أمره لاستيضاح ما يجري بهذا الحزب الذي رهن المكتب السياسي له رغبة الإمام بتأخيرها لحين انعقاد المؤتمر العام الثامن للحزب والذي غالباً قد يكون قريباً إذا لم تطرأ على الساحة السياسية من الطوارئ ما يؤجل هذا الاستحقاق الديمقراطي داخل البيت الأنصاري الكبير!.