الوضع السياسي الراهن مُخالِف للدستور وسيفتح الباب لمخالفات أخرى
شراكة السلطة التشريعية بين مجلسي السيادة والوزراء تُعَقّد مبدأ المحاسبة
كل إدارات النظام السابق موجودة في الولايات فكيف تُطالب الحكومة بالنجاح
الحكومة لا سُلطة لها على الجيش والأمن والدعم السريع والشرطة
الوضع الانتقالي محصور في (شارعي الجامعة والنيل) فقط ولا سلطة للحكومة على الولايات
ربط تشكيل الولاة والمجلس التشريعي بتحقيق السلام فيه إجحاف بحق الشعب
الحكومة الانتقالية لم يتم تمكينها من أدوات إدارة الدولة
الثورة لن تنجح في ظل وجود القوانين والأشخاص (القديمين)
الدعم الإماراتي والسعودي للسودان لم يتجاوز المليار ومائة مليون دولار
قال عضو قوى إعلان الحرية والتغيير محمد وداعة، إن ملف السلام قطع شوطاً، خاصة أنه تم توقيع اتفاق إطاري بين الحركة الشعبية شمال مالك عقار والوفد الحكومي، واصفاً الاتفاق بالجيد، مبيناً أنه وضع النقاط على الحروف، مشيراً إلى أنه ميّز بين القضايا المُلحّة التى يمكن بموجبها تحقيق سلام وبين قضايا المؤتمر الدستوري, وقال وداعة إن ما أعلنته المملكة العربية السعودية من دعم للسودان لم ينفذ بالطريقة التي أعلن بها، مشيراً إلى أن الدعم الإماراتي والسعودي لم يتجاوز المليار ومائة مليون دولار، مطالباً الحكومة بأن تضع يدها على الموارد الموجودة داخل السودان.
وأكد أن الوضع السياسي الراهن توجد فيه حكومة انتقالية لم يتم تمكينها من أدوات إدارة الدولة، مشيراً إلى أن الوضع الانتقالي محصور في شارع الجامعة والنيل فقط، مبيناً أنه لا سلطة للحكومة على الولايات.
وأجاب وداعة في هذا الحوار على عدد من المحاور، فإلى الجزء الأول من الحوار.
حوار: آمال الفحل
تصوير: محمد نور محكر
*كيف تقيّمون الوضع السياسي الراهن؟
الوضع السياسي الراهن، لابد أن تنطلق قراءته من الأوضاع السابقة, حيث توجد ملفات تسير بشكل جيد كملف السلام الذي قطع شوطاً، خاصة أنه تم توقيع اتفاق إطاري بين الوفد الحكومي والحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، وفي تقديري هذا الاتفاق جيد وضع النقاط على الحروف، صحيح هو إطاري لكن الإيجابيات في هذا الاتفاق أنه ميز بين القضايا الملحة التي بموجبها يمكن تحقيق سلام وبين قضايا المؤتمر الدستوري, هنالك أجندة ظهرت في الفترة السابقة خلطت بين المطلوب إنجازه في المؤتمر الدستوري في قضايا الهوية, والدين والدولة، وكيف يُحكم السودان، وبين القضايا الإجرائية المتعلقة بتحقيق السلام، وهي الترتيبات الأمنية والإغاثة والجانب السياسي، هذا ما يتعلق بالسلام, أما ما يخص الملفات الأخرى أعتقد أنها جادة وفيها عمل جيد، كما توجد ملفات في تقديري أعتقد أنها زيادة أو تزيد، وليست لها علاقة بموضوع السلام.
*مثل ماذا؟
وهي ما يتعلق بالمسارات التي ظهرت في الفترة الأخيرة, مسار للوسط، ومسار للشمال إضافة لمسار للشرق، وهي محاولات ربما تعطّل السلام نفسه، لأن الجهات التي تتفاوض بأسماء هذه المسارات هنالك الكثير من الاعتراضات عليها في أنها لا تمثل المناطق التي تتحدث باسمها، ويخشى أن تصبح هذه المسارات في مرحلة معرقلة للسلام، كما أن هنالك ملفاً آخر يهُمّ حياة الناس، وهو ملف الأوضاع الاقتصادية, فما زالت الأوضاع الاقتصادية في مكانها، إذ أنه توجد نُدرة فى المشتقات البترولية والخبز والدواء والمواصلات لارتباطها بموضوع الوقود, هذه الأزمات تعمل الحكومة من أجل الوصول إلى حلها, فالحل ليس سهلاً.
*إذن كيف يكون الحل؟
الموضوع ليس قرارات على الورق يجب تنفيذها، وإنما هناك أشياء كثيرة جداً تعوق هذه الملفات، أهمها التصاعُد في التضخم وزيادة سعر الصرف (الدولار)، وهذا ناتج من ندرة الدولار نفسه لانعدام الصادر، ولا توجد أي واردات بالعملة الحرة للخزينة, وما يعول عليه حتى الآن لم يأخذ مكانه في دعم خزينة الدولة بالعملات الحرة, وحتى الآن يتحدث عن صادر الذهب، وهي مئات الكيلو جرامات وهي أشياء زهيدة جداً لا تغطي حاجات الاستيراد، حتى العون الخارجي حوله أحاديث كثيرة.
*لكن في بداية الثورة تحدثت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات عن دعم السودان بثلاثة مليارات ونصف المليار دولار توضع في البنك المركزي، وثلاثة مليارات تكون في شكل سلع؟
من المؤسف هذا الدعم لم يُنفّذ بالطريقة التي قيلت، ولم يُنفّذ بالطريقة التي صُرِّح بها.
*نفهم من ذلك أن السودان لم يتلق أي دعم من هذه الدول؟
منذ الثورة وحتى الآن ما قُدّم من دعم لم يتجاوز المليار ومائة مليون دولار، وهى أقل من ثلث المبلغ يعني أقل من 30% من المبلغ المُخصّص ولا يتناسَب مع الظروف التي يمر بها السودان, فالثورة أخرجت السودان من محنة سياسية واقتصادية، وكان المتوقع أن يكون هنالك عون يُغطي حاجة البلاد من العملات الحرة والإيرادات وهذا لم يتم.
*في تقديرك لماذا لم يتم ذلك، هل لعجز الحكومة عن متابعة هذه المساعدات أم الجهات إن المانحة لم تدفع ما التزمت به؟
في تقديري أن واحدة من الإشكالات التي تؤشر للمشهد السياسي الآن هو عدم إيفاء الأصدقاء في الإمارات والسعودية بما تعهدوا به أو إذا كانوا أوفوا بما التزموا به فلتقل لنا الحكومة أين ذهبت هذه المليارات, معلوماتي أن ما ورد لا يتجاوز المليار ومائة مليون دولار، بالرغم من أنه في بداية الثورة أُعلِن عن تقديم مساعدات في السلع من دقيق ووقود وأدوية، وهذا لم يحدُث، وأنا من هذا المنبر أناشد الأشقاء في الدولتين أن يوفوا بما التزموا به.
أما من الناحية الثانية، المطلوب من الحكومة أن تضع يدها على الموارد الموجودة في البلد، إذ إنه توجَد صادرات كانت في مرحلة ما قبل الثورة تغطي بعضاً من احتياجات البلاد من العملات الحرة، مثلاً صادر الذهب (المعادن)، إضافة للماشية، فهذه كلها صادرات تأتي بإيرادات اسبوعية للخزينة.
*أين هذه الإيرادات الآن؟
لا يوجد حديث واضح عن هذه الإيرادات، فالواضح في الوضع السياسي الراهن أنه توجد حكومة انتقالية لم يتم تمكينها من أدوات إدارة الدولة، فقبل يومين السيد رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك يتحدث بأن موضوع تبعية البنك المركزي لم يُحسَم, هل هو تابع لرئيس الوزراء والحكومة الانتقالية أم تابع للمجلس السيادي, وتوجد معلومات عديدة تؤكد أن بنك السودان بالإدارة الموجودة فيه غير متعاون في إصدار سياسات تتلاءم مع الظروف الحالية وتساعد على الحل، كما أنه يقال إن بنك السودان هو مُعوّق لإنفاذ السياسات مع أنه توجد ميزانية جديدة، والمطلوب منه إيرادات الفصل الأول، كما أن المطلوب منه تسهيل موضوع الصادرات بطريقة تتيح الحصول على موارد، وهذا لم يحدث, إضافة إلى أنه لم يتم تعيين ولاة للولايات .
الآن في تقديري البلد وضعها غريب جداً، فالحكومة الانتقالية هي في الوزارات الاتحادية فقط، وتتمركز في شارعي الجامعة والنيل، فالوضع الانتقالي الآن محصور في هذه المنطقة فقط، ولا سلطة للحكومة على الولايات، فالولايات يحكمها ولاة عسكريون تابعون للمكون العسكري، حتى إنهم غير تابعين لمجلس السيادة، لأنهم لا يتعاونون مع المكون المدني في مجلس السيادة, ولا يوجد مجلس تشريعي، فالتشريع الآن يتم فى المجلسين، وحسب معلوماتي أن هنالك العديد من القوانين وتعديلات القوانين الآن تنتظر أن تُجاز في اجتماع للمجلسين لكنه يوجد بطء في هذه العملية, ومن المؤكد أنه لا يمكن للثورة أن تنجح في ظل وجود القوانين القديمة والأشخاص “القديمين” وفي تقديري أنه لم يتغير الكثير.
*كيف ذلك؟
الحكومة الانتقالية ليست لها سلطة على الجيش بالرغم من وجود وزير دفاع داخل الحكومة، إلا أن السيد رئيس الوزراء لا يستطيع أن يُحرّك القوات، ولا يستطيع أن يعطيها تعليمات وأوامر، وجود وزير الدفاع في مجلس الوزراء وجود شكلي، كذلك الأمر مع وزير الداخلية، فهو موجود في مجلس الوزراء، ولا يستطيع أن يُحرّك قوات الشرطة، لأن قانون الشرطة يقول إن المسؤول من قوات الشرطة هو مدير الشرطة وليس وزير الداخلية، وبالتالي هذه الحكومة لا سلطة لها على الجيش ولا سلطة لها على الشرطة، كما أنه واضح أنه لا سلطة لها على جهاز الأمن، كما أنه لا سلطة لها على الدعم السريع.
*بهذا الحديث كيف تكون حكومة تقصد أنها من غير سلطات؟
لا أقول من غير سلطات، لكن حتى الآن لم تكتمل هياكلها وسلطاتها وأهم سلطات تحتاج إليها الحكومة، الآن هي سلطة الولايات, فالحكومة الانتقالية موجودة في الخرطوم فقط، ولكن لا تحكم الخرطوم، فالخرطوم الآن يحكمها الوالي، كما أنه يدير الشرطة واللجنة الأمنية, وأنا شخصياً لا أرى سلطة للحكومة الانتقالية على ولاية الخرطوم.
*لكن تعيين ولاة بالولايات مرتبط بملف تحقيق السلام خاصة أنه أبرم اتفاق مع الحركات المسلحة بأنه لا يتم تعيين الولاة إلا بتحقيق السلام؟
تم تحديد الستة شهور الأولى لتحقيق السلام, والآن تكاد أن تنقضي هذه الفترة، إلا أنه لم يتم تحقيق السلام، بل إن الجانبين في طور الاتفاقات الإطارية، وهذه في تقديري مسئولية كبيرة جداً تقع على كل المسئولين , حكومة ومجلس السيادة, والحركات المسلحة بأنه لابد من إيجاد مخرج للمجلس التشريعي لأنه تكاد تنقضي تلك الفترة الانتقالية، إلا أنه لم يُنجَز شيء لا على صعيد القوانين ولا على صعيد تحسين الأوضاع الاقتصادية، ولا على بناء الدولة وهياكل الحكم, فكيف تنجح الحكومة من غير هياكل, وزيرالصحة الاتحادي لا يستطيع أن يعين وزير صحة في أي ولاية، بالرغم من أنه يوجد قانون بالتكليف، ولا يمكن ذلك إلا بعد موافقة الوالي لكن بالقانون ليس له الحق في ذلك، وهكذا الأمر في بقية القطاعات, وإلى الآن الولايات يحكمها النظام القديم, وأمناء الحكومة هم أنفسهم لم يتم تغييرهم ومديرو الوزارت هم أنفسهم ومديرو الإدارات هم أنفسهم، فكل الإدارات في الولايات هي نفس الإدارات التي كانت قبل الثورة, والوالي العسكري مدير مكتبه هو نفس المدير القديم، فلم يتم تغيير نهائي في الولايات، فكيف تنجح الحكومة، وكيف يطالب الناس الحكومة بأن تنجح؟ الآن في تقديري توجد عقبة اسمها اتفاق جوبا فهو تم بين المكون العسكري في المجلس الانتقالي وبين الحركات المسلحة في أنه يُرجأ موضوع تعيين الولاة والمجلس التشريعي إلى ما بعد السلام، وفي تقديري هذا خطأ كبير جداً تم في هذا الاتفاق، لذلك ربط تعيين الولاة بتحقيق السلام فيه إجحاف بحق الشعب السوداني وظلم للذين قاموا بالثورة فهم من حقهم أن يكون لديهم حكام مدنيون.
*أليس هنالك هيكل ووثيقة دستورية مُتَّفق عليها؟
ما يحدث الآن مخالف للوثيقة الدستورية، فالوضع السياسي الموجود في البلد مُخالف للوثيقة الدستورية تماماً، فالوثيقة الدستورية ورد فيها أنه بعد تسعين يوماً يتم تكوين المجلس التشريعي والولاة، ولقد تجاوزنا ذلك بزمن كثير جداً، والآن في تقديري توجد مخالفة للدستور وهذا شيء مخيف.
*ما هو المطلوب الآن؟
من المفترض من القائمين على هذا الأمر تعديل هذا الدستور حتى يكون الناس حاكمين بالدستور.
*تقصد من ذلك تمديد الدستور؟
نعم، من المفترض تمديده، ويتفقون على ذلك، لأن الوضع الحالي مخالف للدستور، وهذه مخالفة غير صالحة، فهي عطلت مصالح الناس كما أنها عطّلت الثورة، كما أنها ستفتح الباب لمخالفات أخرى, والآن من الذى يحاسب الحكومة, ومن الذي يُحاسب مجلس السيادة , مثلاً إذا ارتكب مجلس السيادة خطأ من الذي يحاسبه، وإذا ارتكبت الحكومة خطأ من الذي يُحاسبها, فالسلطة التشريعية الموجودة هي سلطة مشتركة، وبالتالي أنا لا أعتقد أن أياً من الشريكين سيقبل أن يحاسبه الآخر، فبالتالي مبدأالمحاسبة والمساءله مُعقّد، وهذا من المؤكد أنه إجحاف وظلم كبير جداً وإحباط للناس وقتل للثورة، وما يحدث الآن محاولة لإجهاض الثورة.