(300) بص من السعودية ومثلها من قطر ومخاوف من مصير بص الوالي
مدير التشغيل الأسبق بشركة المُواصلات: أزمة النقل ليست مواعين ولكن!!
الأمين العام الأسبق لغُرفة النقل: البيئة طاردة ومَن يُديرون الشركة غير مُؤهّلين
مُهندسو مُرور: الحكومة وضعت ماستر بلان للمدينة ثم خالفته بنفسها!
لَم يَستفد النظام السابق من تجربة مُواصلات ولاية الخرطوم التي عُرفت بـ(بص الوالي) أخضر اللون، التي اُستجلبت لحل ضائقة المُواصلات، ولكنها أصبحت في نفسها أزمة، حيث تحوّلت لخردٍ وانتهى مصيرها إلى التشليع وتناثرت جُثثها في مُختلف أنحاء العاصمة.. ذات النظام بدأ قبل عامين في إجراءات استيراد بصات من السعودية وقطر، ولكن لم تسعفه الأيام ليشهد تدشينها ولكن حكومة الفترة الانتقالية هي مَن قامت باستلامها كـ(خير خلف لخير سلف)، غير أن تلك البصات لا تَبدو حسب مصادر هذا التحقيق أفضل من سابقاتها إن لم تكن أسوأ لاعتبارات سترد خلال هذا التحقيق، إلا أنّ أكثر المعلومات مرارةً كانت منحة يعني “مجاناً”، إلا أنها تحوّلت بقُدرة قادرٍ إلا صفقة باهظة التكاليف أو ربما “مأكلة” على الوجه الأرجح…!
تحقيق: هويدا حمزة
في الحلقة الأولى، تحدّثنا عبر خُبراء نقل ذوي علاقة عن البصات القطرية والسعودية التي بدأت في التوافُد على البلاد في دفعات، حيث ذكر المُختصون أنها بصات مُلجّنة تمّ إيقافها في منشئها، لأنها خرجت من الخدمة…!
فبصات السعودية، عجزت عن أداء خدمة مُوسم الحج حسب المهندس كمال الصادق مدير صيانة بشركة النقل العام الكويتية، رئيس قسم صيانة النقل الجماعي السعودي وعمليات الحج ورمضان بمنطقة مكة المكرمة، رئيس شُعبة الصيانة في ورشة بلدية دبي، قال: إنّ البصات كانت كثيرة التعطُّل مِمّا يؤدي لزيادة زمن الرحلة وتكلفة التشغيل والصيانة، ومن ثمّ أوقفوها عن العمل في خدمة النقل التردُّدي في موسم الحج، لأنّ الخدمة تتطلّب كفاءة عالية…!
أما بصات قطر، فمُواصفاتها أنها سفرية وليست مُواصفات نقل داخلي، بالتالي تكلفة تشغيلها عالية جداً وهي لا تعمل إلا بالمُكيِّف لأنّه ليست بها منافذ، فإذا تعطّل التكييف تصبح مُشكلة حسب المهندس عماد يوسف وهو خبير نقل لأكثر من 38 سنة، من مُؤسِّسي شركة المُواصلات العامة في دبي وبعدها أبو ظبي بحكم عضويته قي الاتحاد العالمي للمواصلات وكانت لديه علاقات متينة مع وزير النقل القطري جاسم السليطي، ومن ثم فَقد عُرض على الحكومة ممثلة في وزارة البنى التحتية وقتها أن يجلب البصات القطرية مَجّاناً، لأنّ قطر كانت تُريد التخلُّص من تلك البصات بعد انتهاء أجل صلاحيتها، ولكنهم لم يعيروا عرضه اهتماماً ولم يمنحوه فرصة لجلبها، وعوضاً عن ذلك جلبت الحكومة البصات ولكن ليس مَجّاناً، بل بأسعار مشكوكٍ في مصداقيتها، ورغم ذلك أكّدت مصادر من داخل شركة مواصلات الخرطوم أنّها سَتسهم بـ30% فقط من أزمة المواصلات بالولاية كَحَلٍّ مُؤقّتٍ، على أن يؤول مصيرها لما آل إليه حال بَصّات الوالي…!
الأسباب والحُلُول
أزمة المُواصلات ليست أزمة مَواعين حسب مُدير التشغيل الأسبق في شركة مواصلات الخرطوم سيد الجزولي، الذي قال لـ(الصيحة) إنّ أسباب الأزمة تكمن في التنظيم، فالحافلات الصغيرة والكبيرة وبصات الشركة تحتاج لتنظيم فقط، ويضيف أنّ الأزمة لها أسباب أخرى مثل عدم التشريعات الواضحة والمُلزمة لأصحاب الحافلات وأصحاب البصات، وتحديد المسارات والمداخل والمخارج، إضَافَةً إلى أنّ مداخل الحافلات ضيِّقة جداً، ففي جنوب الخرطوم مثلاً والشرقي (كلهم يدخلون لكركر) وهي منطقة ضيِّقة جداً إضافة لرداءة الطرق، كما أن الفرِّيشة سببٌ كبيرٌ في الأزمة وغياب أفراد المرور، فبعضهم يجاهدون في التقاطُعات، ولكن مُعظمهم في الفترة المسائية لا يُشكِّلون أيِّ حُضُورٍ، ويردف سيد: (إن ثقافة الشعب السوداني أيضاً تحتاج لتغييرٍ، فالجميع يخرجون في وقتٍ واحدٍ ويعودون في وقتٍ واحدٍ، مِمّا يتسبّب في الازدحام المُروري خَاصّةً عند انقطاع الكهرباء في بعض الإشارات)…!
وبالنسبة للحلول، يقول سيد: (مافي أزمة ما ليها حل ولا نقول إنّ شركة المواصلات فشلت في حل الأزمة، ولكن الشركة بكل عبوتها تمثل 10% من حاجة الولاية للنقل، بينما تقول دراسة أجرتها الشركة إنّ ولاية الخرطوم تحتاج من 18 إلى 20 ألف بص ليعمل قطاع النقل بصورة جيد،ة وكل العبء يقع على الولاية، بينما مُشكلة المواصلات يجب أن تكون هَمّاً اتحادياً.. أيضاً لا بُدّ من تعاونٍ بين كل مُكوِّنات النقل من مُرور وإدارة نقل وغيرها ليكون بينهم تنسيقٌ تامٌ، على الأقل يَستطيعون حل مُشكلة الازدحامات المُرورية ومُكافحة الفرِّيشة وصيانة الطرق، فالحل يجب أن يكون عبر منظومةٍ مُتكاملةٍ تشمل ربط الوقود بعملية النقل، وعلى الدولة تكوين شركة حكومية قابضة تُدخل من تشاء من ذوي المقدرة بالشروط الفنية والمالية المعينة وتدفع له بشكلٍ مُجزٍ لأنّ الحكومة لوحدها لا تستطيع حل الأزمة كما يحدث في مُعظم دول العالم، إما أن تنسحب الدولة وتترك الأمر للقطاع الخاص وحده فهذا لا يُمكن لأنّه عمل استراتيجي مثله مثل التعليم).
المجال طَاردٌ للاستثمار
الأمين العام الأسبق لغُرفة النقل العام ولاية الخرطوم والمستثمر السابق في مجال النقل عصام الدين الخير، قال لـ(الصيحة)، إنّ البصات القادمة من دول الجوار لن تحل مُشكلة المواصلات بصورة نهائية، فهي عبارة عن نفايات، وإذا سجّلت زيارة لشركة المواصلات ستجدين أنّ البصات الصفراء التي أتت قريباً كلها مُعَطّلة، ويتساءل مُحَدِّثي إن كانت تلك الدول تمنح البصات للشركة مَجّاناً!
المُشكلة الثانية هي ارتفاع تكلفة التشغيل، فالبصات تحتاج لكميةٍ من البطاريات واللساتك وغيرها من الإسبيرات، وهي عليها جمارك عالية جداً، ولا يُمكن لدولة تريد من أصحاب العمل أن يشغلوا تلك البصات أن تربح فيهم 100%، لذلك البيئة أصبحت طَاردة لأصحاب العمل!! أما التعرفة فلا يُمكن أن تكون خمسة جنيهات لأنه سيخسر ثم يخرج من المجال، إضافةً إلى أنّ البصات غير مُطابقة، فالذين يُديرون شركة المواصلات غير مُؤهّلين، وقبل ذلك استوردوا 900 بص ولكنها انتهت لأن السائقين لا علاقة لهم بقيادة البصات، أيِّ شخصٍ لديه رخصة عامة وسائق حافلة يُمنح البص، رغم أن قيادة الحافلة تختلف عن قيادة البص، ويُفترض تعيين السائق بعد تدريبه، ولكن ذلك لا يحدث، بل يُسلّم البص بإيرادات معينة و(الباقي أكلو)، ومن البصات كلها ذهبت لأناس وتحوّلت إلى نفايات.
ويقترح عصام على الوالي إذا أراد مُعالجة أزمة المواصلات أن يجلس مع أصحاب العمل، فهم لديهم غرفة النقل السوداني، ولديهم غرفة النقل بالولاية ليخبروه ماذا يحدث بخصوص تلك البصات، لأن الطرق والجسور غير ملائمة لها فكلها حفر ومطبات، وأهم من كل ذلك أنّ البصات تحمل حمولات أكبر من طاقتها، فحمولة حمولة البص 45 راكباً، ولكن وقت الذروة يحمل 110 أشخاص وهو لا طاقة به لهذا العدد وخلال شهرين يتعطّل، فمشكلة النقل مُشكلة كبيرة وهي تحتاج لأن تُعقد لها ورشة كبيرة ودراسة بدلاً من أن يستوردوا بصات في كل مرة، وقبل ذلك استوردوا الميني بص وهو أيضاً يُعاني من مشاكل كثيرة لأنّه يقوم عليه أناس ليس لديهم أي اختصاص…!
عودة القطاع الخاص
ويختلف عصام مع سيد الجزولي في التعويل على القطاع الخاص، فيُؤكِّد على ضرورة عودته إلى قطاع النقل، لأنّه انسحب منذ 2007 وترك الولاية لوحدها لأنها دخلت في وقتٍ كانت المواصلات مُتوفِّرة وتبحث عن عملٍ، ومنذ ذلك الوقت بدأت المشكلة ويدعو لاستيراد بصات جديدة ماركات عالمية مثل الهونداي والمرسيدس والمان آخر موديل، ويلفت إلى فتح الاستثمار في النقل عبر البنوك بتوجيهٍ من بنك السودان وفتح حساب خاص بالنقل للقطاع الخاص، لأنه غير متاحٍ خاص للدخول في المجال وتستورد بصات على ألا تتجاوز الفائدة 8% والمُقدّم لا يتجاوز 10% وفترة السداد 10 سنوات، فالفائدة الآن في البنك التجاري 18% فلو انخفضت لـ8% ستغطي البلاد بعربات النقل، وكلما زادت الفترة يرغب القطاع الخاص للمُساهمة مع الدولة في حل الأزمة التي لا تَستطيع الدولة حلّها لوحدها، والآن الذين يعملون رغم الأزمة، 90% منهم هم القطاع الخاص “الهايس والكريس” وهم يسعرون التعرفة بمزاجهم، كما يقترح إدخال مُنتجات من إطارات وبطاريات وجربوكسات من الجمارك والقيمة المُضافة وهذا يُشجِّع الناس للاستثمار في المجال.
أسباب أخرى للأزمة
وحسب مُختصين بهندسة المُرور تحدّثوا لـ(الصيحة)، اقترحوا أن تتحصّل رسوم (الباركينق) سنوياً مع الرخص التجارية والعوائد بدلاً من تحصيلها مرةً واحدةً مع رخصة البناء، لأنّ الاختناقات المُرورية الناشئة عن استخدام البناية أو النشاط التجاري مُتجدِّدة، وقالوا إن القانون في دول الخليج مُتطوِّر ويلزم صاحب النشاط التجاري أو البناية بعدد من المَواقف حسب حجم النشاط التجاري أو البناية.. فمثلاً المطاعم تحدّد مواقفها بعدد الطاولات والكراسي بها، والمساجد بسعة المُصلين بها، والمُستشفيات بعدد الأَسِرّة والعيادات الخارجية بها، والشركات بعدد الموظفين الذين بها وهكذا، وخلاف ذلك يتم تغريمه رسوماً سنوية لرخصة مُزاولة النشاط…!
وأشار مهندسو المُرور إلى عدم وجود أماكن خالية لعمل مَواقف للسّيارات، وعليه لا بُدّ من إجراءاتٍ بديلةٍ مثل منع العربات نهائياً من الوقوف في الشوارع المُزدحمة مثل شوارع: “النيل والجامعة والجمهورية والبلدية والشريف الهندي وعبد المنعم والقصر وعلي عبد اللطيف”، كما يجب منع أيِّ تصديق بناء لأيّة عمارة في سنتر الخرطوم، وإجبار أصحاب العمارات في سنتر الخرطوم على تأجير نصف العمارة تجارياً ونصفها الآخر سكنياً لتقليل حركة السُّكّان وفرض غرامات كبيرة 2000 جنيه على الأقل على أيّة مُخالفة وتُضاعف مع التكرار هندسياً.. ولتشجيع أصحاب الأعمال للتحرُّك للأطراف، طالب محدثي بفرض ضريبة فك ازدحام على أيّة شركة أو اسم عمل أو فرد برخصة تجارية أيّاً كان نوعها قدرها 10 آلاف جنيه شهرياً بغرض إفراغ وسط البلد من الكيانات الصغيرة التجارية، وتستغل أموال الضريبة لتحسين البيئة في سنتر الخرطوم.
تنقض غزلها بيدها
الحكومة هي من تضع الماستر بلان للمدينة وتُخالفها، فالماستر بلان أوصى بإخراج الدواوين الحكومية من سنتر الخرطوم، ولم تفعله الحكومة، بل شرعت في البناء رأسياً في سنتر المدينة خلافاً لتوصيات المُخَطّط الهيكلي، مِمّا ستترتّب عليه زيادة في أعداد مُرتادي السنتر.. وزارة العدل تحرّكت من شارع النيل إلى شارع الجمهورية في مناورة للالتفاف على مخرجات المُخَطّط الهيكلي.. أما القصر الرئاسي الجديد، فقام على بُعد سنتيمترات من القديم، ضاربين بتوصيات الماستر بلان عرض الحائط!! أما القيادة العامة فبدلاً من تفكيك الكتل العُمرانية الكبيرة المُحيطة بسنتر الخرطوم ونقلها في مناطق أقل كَثافةً، قامت بتشييد أبراج ضمّت كل مُكوِّنات القوات المسلحة لتعزيز تواجدها وإحاطتها بمركز الخرطوم حَدّ الاختناق، وكذلك مستشفى الخرطوم والسكة حديد وخلافها وضاعت توصيات شوسلربلان الألماني.
ويضيف مهندس مرور فضل حجب اسمه: (ما تنسى أن 70% من المُتنقلين في وسط الخرطوم يستخدمون المواصلات العامة، بينما 30% يستخدمون للمركبات الخاصة).. أما بالنسبة لحجم المرور بطرق سنتر المدينة، فإنّ 70% من الـtraffic volume من المركبات الخاصة، بينما تشغل المركبات العامة 30% فقط من الـtraffic volume.. وإذا اعتبرنا أنّ الطريق العام ثروات عامة ومِلْكٌ للجميع، تجد أنّ أصحاب المركبات الخاصة يستمتعون بتلك الثروات العامة بنسبة أعلى بكثير من المُواطنين الفقراء الذين لا يملكون وسيلة نقل ليستمتع بتلك الثروات، يعني الفرد المالك لسيارة خاصة وهو يتنقل في الشارع العام يشغل ما مساحته 15م. م من الشارع العام الذي يُكلِّف الدولة مليارات، بينما الفرد المُستغل للمواصلات العامة لا يشغل أكثر من ٠,٤٥ م.م من الطريق العام…!
إذن ثروات الدولة يستمتع بها مَن يمتلك سيّارة بنسب أضعاف أضعاف مَن يستخدم النقل العام والمُواصلات.. وهذا يعني أنّ الدولة تدعم الأغنياء وتهمل الفقراء…!