أولياء أمور: أبناؤنا سافروا أبوظبي لوظيفة حُرّاس أمن ووجدوا أنفسهم في ليبيا
ولي أمر: نُقل ابني إلى ليبيا بميناء رأس لانوف النفطي
مكتب الاستقدام الخارجي يرفض الحديث عن القضية
وزارة الخارجية: لم تصل أي شكوى لإدارة القنصليات وسنتحرّك لاستجلاء الحقيقة
وكالة أماندا: المدير غائب ولا تعليق
تحقيق: محيي الدين شجر
نَظّمَ أولياء أمور شباب سودانيين، تظاهرة أمام السفارة الإماراتية بالخرطوم أمس، احتجاجاً على خداع أبنائهم وتحويل وجهتهم من حُرّاس أمن بدولة الإمارات كما ذكرت لهم وكالة (أماندا) للسفر والسياحة بالخرطوم، إلى استخدامات عسكرية أخرى ونقلهم إلى ليبيا بدلاً من العمل بالإمارات.
كما وصلت (الصيحة)، شكاوى من أولياء أمور، ذكروا فيها أنّ أبناءهم بعد وصولهم إلى أبوظبي خُضعوا لتدريبات عسكرية مكثفة وحينما احتجوا عليها أخبروهم أنها مُجرّد تدريبات عسكرية مطلوبة لعمل الحراسات الأمنية في المؤسسات الإماراتية.
(الصيحة) لمعرفة الحقيقة التقت بأطرافها وخرجت بالحصيلة التالية:-
البداية وكالة السفر!!
أمام وكالة السفر (أماندا) بالخرطوم في شارع الجمهورية، اكتظ عشرات الشباب.. منهم من يطلب سحب جوازات سفره، ومنهم من يستفسر عن تاريخ السفر، ولكن الغالبية العُظمى من الشباب استنكرت ما حَلّ برفقائهم الذين غادروا قبلهم إلى أبوظبي، حيث حكى لي أحد الشباب بحسرةٍ بالغةٍ بأنه يُريد عودة شقيقة لأنه ذهب للعمل كحارس أمن لا جندي يُقاتل في ليبيا!! وقال: لقد اتّصل بي من ليبيا وأخبرني بأنه موجودٌ فيها، وأنه تَعَرّضَ إلى خدعةٍ.. قائلاً بحُزنٍ بائنٍ: أخي لا يقوى على القتال ولا يعرف أنه سيعمل كجندي، مُضيفاً: أنا أطالب بعودته وأُحمِّل كل من خدعه المسؤولية كاملةً إذا تعرّض لأيِّ مكروهٍ لا قدّر الله.
تفاصيل دقيقة
عماد عثمان عبيد من منطقة الكدرو أم القرى، تحدث لي بتفاصيل دقيقة عن سفر ابنه إلى الإمارات أبوظبي، قائلاً: أحد الأقارب اتّصل بي، وقال لي: هنالك فُرص للتقديم للعمل في الإمارات للأعمار من (18 – 24) عاماً في وظيفة حرس أمن بشركة تُسمى “بلاك شيلد”، عن طريق وكالة أماندا للسفر والسياحة في السوق العربي الخرطوم تقاطع شارع القصر مع شارع الجمهورية شرق وصاحبها يدعي حذيفة محمد إبراهيم، مُضيفاً: بدأت في إجراءات عمل (ابني) وجهّزت له جميع أوراقه وجوازه وسلّمتها للوكالة حتى تمّ استيعابه، وبشّرني قريبٌ لي بوصول إقامة (ابني) وفرحت أنا وكل الأسرة والأهل، وبعد ثلاثة أيام طلبوا مني مبلغ (15) ألف جنيه وإحضارها في قاعة تدعي الرؤيا الذكية في شارع المشتل، وذهبنا ووجدنا مجموعةً كبيرةً من الشباب اليافعين الذين وَصَلَت إقاماتهم ونظّموا لهم مُحاضرة ثورية وسلّموا المبالغ المطلوبة منهم لشخصٍ يدّعى محمد المبارك، وقاموا بتسليم الشباب فيزهم وجوازاتهم..!
بلاك شيلد
وقال: من جانبي قمت بفحص فيزا ابني ووجدتها صحيحة عن طريق شركة اسمها بلاك شيلد للأعمال الأمنية، ويضيف: أخبرني (ابني) بوصول مندوب من الشركة في مطار أبوظبي واصطحبهم لمنطقة تبعد من أبوظبي نحو 4 ساعات عبارة عن منطقة أمنية، حيث تم استقبالهم استقبالاً طيباً، ووفّروا لهم كل احتياجاتهم من الأكل والشرب، وأوضح في حديثه لـ(الصيحة) بقوله: إن (ابني) والشباب الذين كانوا معه خُضعوا لتدريبات عسكرية مُكثّفة لعدة أيام وتم تدريبهم كيفية استخدام الاسلحة الثقيلة، وحينما احتجوا على نوع التدريب، أخبروهم بأنها مُجرّد ثقافة عسكرية تعلموها واتركوها، وقال: قبل أيام اتصل بي (ابني) وأخبرني بأنهم سوف يتم توزيعهم إلى مجموعات وسوف يتم نقلهم في الحدود الإماراتية لحماية مُنشآت بترولية، ورفض البعض ووافق عدد منهم، وزاد بقوله: بلغ عدد الرافضين (105) شباب، وبلغ عدد المُوافقين (288)، وبعد ذلك اتّضح لي أن (ابني) وصل إلى ليبيا في منطقة بترولية تدّعى ميناء راس لانوف النفطي يستولى عليها حفتر وجماعته، وإن بقية الشباب في نفس المعسكر وأخبروهم بأنّهم سيُرحّلون إلى السودان يوم الثلاثاء القادم، كما يوجد آخرون في معسكرات أخرى.
غضب أمام وكالة (أماندا)
بوكالة اماندا التقت (الصيحة) بعددٍ من الشباب السوداني الغاضب، حيث قال عمر عبد الله إن التقديم كان لوظيفة حرس أمن براتب أساسي 1700 درهم، وبراتب إجمالي 2500 درهم، وهنالك الآن مجموعة من الشباب بليبيا، وحينما طلبوا أن يرجعوا، قالوا لهم العودة تكون لكل الكتيبة، ولقد قالوا لهم حسب اتّصالنا معهم بأنّهم سيكونوا إسناداً للقوات الإماراتية، وأضَافَ بقوله: نحن نرفض هذا الخِداع ولا يُمكن أن نُوافق عليه، مُوضِّحاً أنه حضر الوكالة لسحب جواز سفره، لكنه لم يجد صاحبها مع أننا منذ الصباح الباكر.
وقال عمر طاهر: لقد حضرت الوكالة منذ الصباح لسحب جواز سفري، لكنهم يُماطلوننا بحجّة أن المدير غير موجود ولا أعرف متى استلمه!!
وقال عثمان طارق: مكتب العمل يفترض أن يقوم بمُراقبة مثل هذه العقود، مُشيراً إلى أن الذين سافروا قبلهم قاموا بتوقيع العقد داخل مطار الخرطوم وكانوا لا يَعرفون عن بُنُود العَقد شَيئاً، وهُنالك من دفع أموالاً طائلة، مثلاً صديقنا معاذ دفع (110) آلاف جنيه.
وقال بشير، إنّه قدّم منذ شهر أكتوبر، وإن الوكالة أخبرتهم بأنّ السفر يتطلب دفع مبلغ (50) ألف جنيه، وإنه سدد مبلغ (30) ألف جنيه ويُريد استرجاعها من الوكالة، لكنه لم يجد المدير، والمُوظّفون لم يفعلوا له شيئاً!!
رأي مكتب الاستقدام الخارجي
حاولت (الصيحة) استبيان حقيقة سفر هؤلاء الشباب إلى ليبيا بدلاً من أبوظبي، حيث سجّلت زيارة إلى مكتب الاستقدام الخارجي شرق الخرطوم، ولكن مديره رفض الحديث، وقال إنه فوّض المكتب الإعلامي بوزارة العمل للحديث بدلاً منه، وعند زيارتي لمكتب الإعلام بوزارة العمل، أخبروني بأنه لم يصلهم أيِّ توجيهٍ رسمي من مدير الاستقدام الخارجي.
لم تصلنا أيّ شكوى!!
اتّصلت بالناطق الرسمي لوزارة الخارجية السفير منصور بولاد، حيث ردّ بقوله إنّه اهتم بالأخبار التي تُنشر بوسائل التواصُل الاجتماعي عن نقل بعض الشباب السوداني من أبوظبي إلى ليبيا، وتواصل مع مدير إدارة القنصليات، حيث أخبره بعدم وصول أيِّ شكوى حول الموضوع من أوليائهم، وقال إنّهم في وزارة الخارجية يحثُّون أولياء الأمور بتقديم شكاوى بوضع أبنائهم بأبوظبي للنظر في القضية، وأنهم بدورهم سيتواصلون مع السفارة السودانية بالإمارات لاستجلاء حقيقة الأمر، وبالاتصال بسفارة أبوظبي في الخرطوم، قال إن مدير إدارة القنصليات أخبره بعدم ورود أي شكوى في قنصلية السودان أو السفارة السودانية بالإمارات!!
احتجاج أمام سفارة الإمارات!!
أمام سفارة دولة الإمارات بالخرطوم، عبّر ما يفوق الخمسين شخصاً من أولياء أمور الشباب السوداني بدولة الإمارات، عن امتعاضهم من تواجُد أبنائهم بليبيا بدلاً من أبوظبي، وطالبوا السفارة بالتدخُّل والعمل على إرجاعهم لأرض الوطن سالمين!!
(أماندا).. المدير غائبٌ!!
سَجّلت زيارة الى وكالة أماندا بشارع الجمهورية الخرطوم، حيث رفضت موظفات الوكالة الحديث، بحجة أن المصرّح له بالحديث هو مدير الوكالة، كما رفضوا مدِّي بهاتفه!!
الإغراءات والاقتصاد المُنهار
تَحَدّثَ لـ(الصيحة) مَصدرٌ مُقرّب من القضية، قائلاً إن كثيراً من الشباب أبدوا مُوافقتهم للعمل بعد وصولهم إلى الإمارات مُضطرين بعد أن تمّت زيادة في رواتبهم لتصل ثلاثة آلاف دولار، وأنهم توجّهوا إلى المناطق التي تم توزيعهم فيها، وأضاف بقوله: كان من المُفترض أن تكون الأمور واضحة وبشكلٍ جلي لنوع العمل وطبيعته، لأنّ مُوافقتهم لأداء المُهمّة قد تكون جاءت نتيجة تعرُّضهم للإغراء في ظل الوضع الاقتصادي السيئ بالسودان، وقال إنّ الظروف الاقتصادية المُتدنية التي تعيشها الأُسر السودانية هذه الأيام تدفعهم للبحث عن مخارج لعمل أبنائهم خارج السودان، مُشيراً إلى أنّ المناخ الحالي في السودان يدفع الشباب للهجرة بأيّة وسيلة، وآمل المصدر بأن تتدخل الحكومة السودانية لتسوية هذه القضية حتى لا تُؤثِّر في العلاقة المتميزة التي تربط السودان بالإمارات.