بعد مخاض عسير.. الحكومة تُوقّع اتفاقاً نهائياً مع مسار الشمال
اللغة النوبية كادت أن تعصف بالاتفاق وحميدتي ينجح في نزع فتيل الأزمة
شد وجذب ونقاش ساخن داخل الغُرف المغلقة والهدف واحد
التعايشي: سنُعالج المشاكل التي ظل يعاني منها أهل الشمال
جوبا: رضا حسن باعو
بعد مخاض عسير، واجتماعات ونقاشات استمرت حتى الساعات الأولى من صباح أمس الأحد، توصلت الحكومة لاتفاق تمكنت عبره من تجاوز العقبات التي كادت أن تعصف بالاتفاق بين الحكومة ومسار الشمال بالجبهة الثورية.
تنفس الجميع هنا في حاضرة جنوب السودان جوبا الصعداء بعد الوصول لاتفاق على توقيع الاتفاق النهائي الذي تم ظهر أمس الأحد.
ويُعَد مسار الشمال بالجبهة الثورية الذي يتكون من حركة كوش برئاسة محمد داؤود وكيان الشمال الذي يقوده محمد سيد أحمد سرالختم الجكومي، من أكثر المسارات التي شهد النقاش فيها شداً وجذباً وعصفاً ذهنياً للقضايا الشائكة التي تمت مناقشتها خلال فترة المفاوضات، وهي قضايا تُوضّح بجلاء حجم الظلم والتهميش الذي عاناه الشمال منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، للدرجة التي جعلت رئيس الجبهة الثورية الدكتور الهادي إدريس يقر بأن الشمال تعرض لظلم وتهميش كبير خلال العقود الماضية، ولم يكن بأي حال من الأحوال أفضل من الأقاليم الأخرى.
وكاد الاتفاق أن ينهار ويعود الوفد الحكومي للخرطوم دون أن يتم التوقيع على مسار الشمال بعد خلافات بين الحكومة ومسار الشمال بسبب تمسك حركة كوش ـ أحد مكونات مسار الشمال بتضمين تدريس اللغة النوبية في مناطق حلفا.
غير أن النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي رئيس وفد الحكومة المفاوض تمكن من نزع فتيل الأزمة ودخل في اجتماعات ماراثونية مع قادة المسار تكللت بإنقاذ الاتفاق من الانهيار.
وتم الاتصال بالإعلاميين بعد وصولهم إلى مطار جوبا تأهباً للمغادرة صوب الخرطوم بعد أن تم إبلاغهم بعودة جميع أعضاء الوفود الحكومي أمس الأحد قبل أن يتجدد الاتصال بهم للعودة لقاعة فندق “برمد” لحضور حفل التوقيع.
وبهذا الاتفاق يدخل الشمال مرحلة جديدة من تاريخه بعد مناقشة كافة قضاياه ومشكلاته والمظالم التي عانى منها طيلة الحِقب الماضية، حيث تمّت مناقشة كافة القضايا التي تضرّر منها المواطن هنا.
وسيُسهِم الاتفاق الإطاري الذي وُقّع بين الحكومة ومسار الشمال في رفع الغبن وتنقية النفوس، ويعيد لأصحاب الحقوق أراضيهم بجانب كونه يُمكِّن من إيصال التنمية للمناطق التي ظلت محرومة منها طيلة الفترة الماضية بعد معالجته جميع المشاكل التي يعاني منها أهل ولايتي نهر النيل والشمالية خاصة قضايا السدود والمهجرين من سد مروي من المناصير.
التوقيع على مسار الشمال يعطي دفعة قوية لحكومة الثورة ويؤكد بالفعل حرص جميع الأطراف على تحقيق السلام الشامل في كل السودان وليس أقاليم بعينها، حيث أن المفاوضات الحالية تختلف عن سابقاتها في ابتعادها عن المُحاصصات والمناصب، فهي تتحدث عن قضايا ومشاكل تواجه الشعب السوداني.
إذن، يفتح هذا الاتفاق الباب واسعًا أمام البناء والتعمير والنهوض بالبلاد حتى تلحق بركب الدول المتقدمة بعد الاستفادة من الموارد الكبيرة التي تزخر بها.
ووقّع إنابة عن الوفد الحكومي عضو مجلس السيادة الفريق الركن شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة، وعن مسار الشمال كبير مفاوضي المسار دهب إبراهيم دهب.
وقال رئيس فريق الوساطة الجنوب سودانية توت قلواك خلال مخاطبته حفل التوقيع النهائي لمسار الشمال إن الرئيس سلفاكير ميارديت يهنئكم على الاتفاق ويعتذر عن عدم الحضور، وأضاف: تبقى لنا مسار دارفور ومسار شرق السودان والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وبشّر بأن السلام الشامل بالسودان بات قريباً جداً، ولا يوجد هناك ما يوقفه، وأعلن رفع جلسات التفاوض لمنح الوفود الفرصة للمزيد من التشاور على أن تتم العودة للمفاوضات في الرابع من فبراير المقبل.
من جانبه، اعتبر الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة المفاوض محمد حسن التعايشي عضو مجلس السيادة، التوقيع النهائي انتصارًا للجميع، وأشار لمعالجته كافة المشاكل والمظالم التي ظل يعاني منها أهل شمال السودان منذ الاستقلال، وأكد أنه يسهم في الوصول لسلام شامل، ومن ثم التفرغ للتنمية، وقطع بأن ذلك هو الهدف الإستراتيجي للحكومة، وقال: لم نصل لاتفاق مسدود طيلة فترة المفاوضات مع جميع المسارات وتوقع الوصول لاتفاق سلام نهائي في مسار دارفور، وقطع بأن التحدي يكمن في العمل علي تنفيذ هذه الاتفاقيات على أرض الواقع.
وأوضح التعايشي أن قضايا الشمال جوهرية، ولا يمكن أن تجاوُزها، وأضاف: صحيح لم يرفع السلاح في الشمال، وتابع: إذا كانت هناك حكومات عاقلة لم يكن هناك سبب لحمل السلاح في وجه بعضنا، وأكد أن استراتيجية حكومة الثورة حدّدت مبادئ بضرورة السماع لكافة المشكلات حتى للأطراف التي لم تحمل السلاح، وقال: نعمل من خلال هذه المفاوضات لمناقشة قضايا حقيقية دون الحديث عن أي محاصصات، وأضاف: هذا منهج مهم لمعالجة المشاكل.
من جهته، أبدى رئيس كيان الشمال محمد سيد أحمد سر الختم فخره بالتوقيع ممثلين لأهل الإقليم الشمالي، وأضاف: الآن عرف الجميع أن أكثر الأقاليم التي تعاني التهميش منذ الاستقلال وأشار للعلاقات التي تربط كيان الشمال بحركات الكفاح المسلح، وقال: بهذا الاتفاق نؤكد أن للشمال قضية، وأثنى على دور الجبهة الثورية في التعريف بالمساهمة التعريف بمشاكل الشمال، وأعلن عزمهم على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
بدوره قال رئيس حركة كوش ـ إحدى مكونات مسار الشمال ـ محمد داؤود: نحن هنا وبعد نقاشات وتفاوض وقعنا الاتفاق النهائي. وأبدى سعادته وشكره من أجل الوصول لهذا الاتفاق الذي أوضح أنه أكثر مما يجب من وقت من أجل التدقيق في العبارات ونصوص الاتفاق، وهناك جنود مجهولون خلاف الوفد الحكومي ساهموا في الوصول إلى اتفاق مُرضٍ للطرفين.
وأشار داؤود إلى وقوف جميع مكونات الجبهة الثورية وأعضائها مع مسار الشمال حتى تم هذا التوقيع، وأضاف: ظللنا نرفع شعارات يُطالب بها أهلنا في الشمال لكنها لم يُلقَ لها بال، وشدّد على ضرورة العمل على إبعاد الجهوية في مناطق الشمال.
وبهذا التوقيع تمضي الحكومة ثلثي الطريق من أجل تحقيق السلام الشامل بالسودان، وتبقى فقط مسارا دارفور والشرق اللذان ستتم تكملة النقاش حولهما بعد استئناف المفاوضات التي رُفعت من أمس إلى الرابع من فبراير المقبل حسبما أعلن رئيس فريق الوساطة الجنوب سودانية توت قلواك.