تقرير: عبد الله عبد الرحيم
منذ أن رحل النظام السابق في أبريل 2019، لم تتجاوز الحياة السياسية والاقتصادية بالبلاد، مرحلة الحرج التي تسببت فيها سياسات قديمة مارستها الأنظمة السابقة خلال عهد الإنقاذ. بيد أن الأمور بدت تسير بصورة متسارعة عكس ما كانت تأمله القوى السياسية الحديثة والقديمة منها، حيث الدخول إلى عالم الديمقراطية الشفافة. في وقت لا زالت فيه متلازمة العوز الاقتصادي والضمور السياسي تسيطر على الموقف، وهو الأمر الذي دفع حزب الأمة القومي أحد الأحزاب التاريخية والعتيقة أن يبدأ في إجراء تمارين إحماء مبكرة لغرض تأهيل قواعده للمرحلة الانتخابية، وربما قد تأتي مبكرة كما ظل ينادي بذلك الإمام الصادق المهدي زعيم الأنصار، وقد شهدت بعض ولايات السودان نشاطات مبكرة لهذا الحزب. بينما بكّر الحزب الاتحادي الديمقراطي الغريم التقليدي لحزب الأمة باعتبار انهما من أقدم الأحزاب السياسية، إلى التفاخر بعضويته عبر التاريخ وقد بدأ إجراء مقارنات سريعة بينه وحزب الأمة الذي استطاع أن يحشد الآلاف من قواعده في لقاءاته بالولايات المختلفة.
بيد أن قوى الحرية والتغيير والتي هي أيضًا ينتظرها مستقبل لا زال رهيناً بما سوف تسفر عنه نتيجة الانتخابات القادمة المقرر لها عقب قضاء الفترة الانتقالية رغم مناداة بعض الأحزاب بضرورة تغيير امدها لتكون في وقت أقرب من ما تم تحديده عبر الاتفاقية المشتركة بين السيادي والعسكري. وهو التحدي الذي يواجه الساحة السياسية، بناء على النداءات المتكررة لأحزاب (الأمة- الاتحادي) وضرورة إقامة انتخابات مبكرة، وما يقابل ذلك من استعدادات وأنشطة جماهيرية كبيرة لحزب الأمة وزعيمه الصادق المهدي، إضافة لمواجهات واستعدادات أيضاً مبكرة يقوم بها الحزب الاتحادي الديمقراطي على خلفية نشاطات صنوه التقليدي. في وقت لا زالت فيه قوى الحرية والتغيير، كياناً بأحزابه وقواه المختلفة يأمل في تضافر جهود كل القوى السياسية بالسودان إلى العمل للاستعداد للانتخابات المحددة بعد ثلاثة أعوام من تاريخ بداية الحكومة الانتقالية، بينما دخلت بعض القوى المشاركة للحرية والتغيير في تفعيل عناصرها لذات الغرض كحزب المؤتمر السوداني.
هذا الأمر يجعلنا نسأل عن مستقبل قوى الحرية والتغيير في كيانها العريض، هل سيتحالفون كقوى واحدة خلال الانتخابات القادمة؟ وما هو مستقبل حزبي الأمة والاتحادي اللذين نشطا مبكراً استعداداً للانتخابات، في ظل ظهور جيل سياسي جديد بعيد عن كل الميول السياسية القديمة، وما هو مصير قياداتها التاريخية؟
بقاء الأحزاب القديمة
في الوقت الذي لا زال فيه السجال قائمًا بين الأحزاب التاريخية (الأمة- الاتحادي)، ومباهاة كل حزب بأغلبيته الانتخابية، رغم ظهور متغيرات سياسية كثيرة على الأمة السودانية, والتي دفعت الشباب السياسيين إلى الخروج من جلباب الولاء السياسي لهذين الحزبين، إلا أن هناك رأياً آخر وسط قيادات الأمة والاتحادي.. حيث يقول الفريق صديق إسماعيل نائب رئيس حزب الأمة القومي لـ(الصيحة)، إن التنظيمات السياسية القديمة تبقى في وجدان الأمة والشعب من خلال التحامها بالشعب ومعالجته لقضاياه ومواقفها النضالية المشهودة. وقال إن حزب الأمة وخلال الثلاثين سنة الماضية وبعد أن كان الحزب رقم (1) ظل خلالها يشغل الساحة السياسية بالحضور المكثف وبالاهتمام بالقضايا الوطنية والقضايا المعاشية والقضايا الاجتماعية والقضايا الإنسانية ولذلك كله يقول إسماعيل إنه لا يعتقد أن الحزب قد خرج عن الساحة السياسية السودانية بلا شيء بل العكس أن كل الجولات التي يقوم بها الحزب في أقاليم السودان المختلفة تستقبل قياداته بتدافع جماهيري كبير جداً وبتجاوب شعب السودان جميعاً دون استثناء، وهذا ما يؤكد أن حزب الأمة موجود في وجدان هذه الأمة، وسوف يبقى كما هو في المستقبل القريب والبعيد بإذن الله.
وقال إن القوى السياسية الجديدة كلها عليها أن تتشبث بحزب الأمة ليكون لها منقذاً وناقلاً للمسرح السياسي السوداني، ولكن إذا أعتقدت أن تكون له نداً أو منافساً فلن تجني شيئاً، وقال إن الحزب يفتح صدره لضم جميع أبناء الشعب السوداني في تحالف واسع من أجل قضايا وطنية كبيرة للمصلحة الوطنية. وزاد إسماعيل مباهياً بحزبه: من أراد أن يلتقي بحزب الأمة في أطروحاته وفي أفكاره ومنهجه سيجد التجاوب والاحترام والتقدير الكامل.
حزب اتحادي جديد
ولم يبعد كثيراً القيادي الاتحادي المعز حضرة عما قاله صديق إسماعيل، بيد أنه خالفه القول في أن تكون هذه الأحزاب التاريخية جزءاً من المستقبل السياسي للبلاد عقب المرحلة الانتخابية بشكلها الراهن. وقال حضرة لـ(الصيحة) إن تجربة الحزب الاتحادي الأصل بقيادة الميرغني إنه كان مشاركاً للنظام البائد في الحكم حتى سقوطه، وأن من قام بالثورة هم شباب الحزب بمعية شباب الأحزاب الأخرى باعتراف النظام السابق الذي أكد أن التجمع الاتحادي المعارض هم شباب الحزب، وقد كانوا في السجون والمعتقلات، ولم يفك أسرهم إلا عقب أبريل 2019م، مشيراً إلى أن الشباب يعيدون الحزب إلى تاريخه القديم، حيث بدايات تأسيس الحزب في ظل مؤتمر الخريجين من الشباب المثقفين يحملون راية الوطن والعلم وموشحين بدرجة عالية من النضال، وبالتالي هم الآن يحملون أفكاراً ورؤى لتطوير الحزب مستقبلاً. وأكد أن التجمع الاتحادي الآن يقود حملة في جميع أنحاء السودان لتكوين مؤسساته من القاعدة تخالف النظام الأساسي السابق، حيث قيادة الحزب هي التي تعين القيادة، ولكننا الآن نريد أن تكون القاعدة هي التي تعين القيادة. وقال إن التجمع الاتحادي بمعية الشباب الوطني الاتحادي وكل الوطنيين الاتحاديين في السودان يقودون تكوين حزب جديد وسوف يكون له دوره ومكانته كما كان له دروه في إسقاط النظام السابق.
ذهاب القيادات
وفيما أشار حضرة إلى أن القيادات التاريخية القديمة سوف يذهبون مع التاريخ بقوله لا وجود لهم لأنهم هادنوا نظاماً شمولياً (المؤتمر الوطني)، وبالتالي لا شافع لهم مستقبلاً، ولن يكونوا مقبولين من جموع هذا الشعب الذي قاد الثورة عبر شبابه وكنداكاته.
يقول صديق إسماعيل إن حزب الأمة لا زال يرحب بقياداته التاريخية، وأنهم يجدون الاحترام أينما ذهبوا، وقد ظهر ذلك خلال تحركات الحزب الأخيرة في ولايات السودان المختلفة التي زارها بقيادة الإمام الصادق المهدي. ولكن حضرة يؤكد أن القيادات التاريخية لحزبه (الاتحادي) سيظلون في مكانتهم الدينية والمشيخية ولهم احترامهم المجتمعي لكنهم كتاريخ سياسي سوف يتلاشون، ولن يكون لهم مستقبل إطلاقاً. وأكد أن حركة التاريخ والتغيير الاجتماعي تسير للأمام وأن الانطباعات الثقافية الجديدة والعلمية تساعد على التطور، مضيفاً أن القيادات التاريخية تقدمت في الأعمار، وبالتالي لا يُرجى منها أن تعطي. وأكد أن التوريث في العمل السياسي مرفوض، ولن تقبل به قواعد الحزب مهما كان في إشارة إلى مساعي بعض عناصر الحزب الشبابية للإبقاء على القيادات التاريخية في منصة القيادة الحزبية.
“قحت” ركيزة أساسية
ولكن المراقب لمستقبل تحالف “قوى الحرية والتغيير” ورغم أنه نشأ جديداً وحديثاً وقاد الثورة السودانية لنجاح مكنها من اقتلاع حكم الإنقاذ يجد أنه يواجه مصيراً مختلفاً عن الأحزاب التاريخية والتي هي في الأساس بعض مكوناته، وذلك خلال الاستحقاقات الدستورية المقبلة عقب انقضاء الفترة الانتقالية المحددة بثلاث سنوات. وذلك لأن تحالف قوى الحرية والتغيير يضم أكثر من (100) حزب سياسي ومنظمة مجتمع مدني وحركة مسلحة وهذا التحالف المزيج من هذه القوى السياسية المختلفة لن تكون خلال الانتخابات في مضمار قوى الحرية والتغيير لكون الولاءات السياسية سوف تتغلب على الائتلاف والتحالف الذي مثّل حائط صد قوياً للفترة الانتقالية وضامناً لها. ويقول المعز حضرة الذي يعد حزبه أحد أعضاء هذا التحالف إنهم سيعودون أدراجهم لخوض العملية الانتخابية من خلال منصاتهم الحزبية لجهة أن الآلية الانتخابية حددت أن تكون الانتخابات من خلال الأحزاب، وقال إنهم سوف يعودون لمنصة تحالف قوى الحرية والتغيير لحماية الثورة من المتربصين بها وأكد أن التحالف عقب الانتقالية سيظل موجوداً للتخطيط للأهداف العليا للوطن. وأكد أنه لن ينتهي بانتهاء الفترة الانتقالية، مشيراً إلى أن التحديات لا زالت موجودة حتى عقب الفترة الانتقالية، وقال إن بقايا النظام السابق لا زالت موجودة، وهذا بدوره يحتم على التحالف أن يكون موجوداً، ولأنه يمثل ركيزة أساسية للانطلاق بالوطن نحو قاعدة تشكل أكبر كتلة تاريخية حققت هذا التغيير وهذا يحميها من أن تتلاشى مستقبلاً، وسوف تظل موجودة بالتوازي مع وجود كل شخص في حزبه كما هو الحال الآن ولكنه لن يدخل التحالف الانتخابات كجسم موحد وذلك لحماية الثورة السودانية من المتربصين بها.