الخرطوم: نجدة بشارة
مؤخراً نشطت على وسائط التواصل الاجتماعي حملات هجوم إسفيرية على الحكومة الانتقالية، تندد وتهدد بالعودة مجدداً للشارع وإسقاطها نتيجة لتفاقم أزمة معاش الناس، وتصاعد أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 100%، والدولار لامس سقف الـ(100).
وبالمقابل خرجت تجمعات هتفت بصورة تلقائية بموقف جاكسون أمس الأول مستنكرة أزمة المواصلات التي وصلت إلى معدلات قياسية وبات المواطن يعتمد على فضل الظهر، هذا عدا عودة صفوف الخبز والجازولين والكثير من القضايا الأقتصادية التي كانت السبب المباشر لاندلاع ثورة ديسمبر.
بيد أن أربعة أشهر ونصف، مضت منذ إعلان رئيس الوزراء (حمدوك) عن تشكيل حكومته الانتقالية (حكومة الثورة)، التي تشكلت هياكلها، وفقاً لنصوص الاتفاقين، السياسي والدستوري من مكون (تحالف قوى الحرية والتغيير)، وهي بالتالي وبلا شك أنشودة (الخلاص)، التي ظنها الشعب السوداني.. وسلمها مقاليد البلاد، وبات يقتات على الصبر .. لحين انفراج أسارير الأقتصاد… وبينما يظل يراقب الوقت الذي يمضي ببطء، ظلت الأزمات تتفاقم يوماً بعد يوم.. والحلول بدت عصية، ويلوح في الأفق شبح انهيار اقتصادي وشيك ما لم تترك الحكومة ما في يدها من ملفات .. وتشرع في معالجة معاش الناس أولاً .. فهل ستفلح الحكومة في إيجاد الحلول … ومتى… وكيف؟
بفعل فاعل
وأرجع القيادي بقوى الحرية والتغيير، الخبير الاقتصادي كمال كرار في تصريح لصحيفة سياسية وقال: إن العناصر الموالية للنظام المخلوع تسعى بكل ما تستطيع لزعزعة الأوضاع الاقتصادية، متهماً تلك العناصر بالمضاربة في الدولار، لخنق الحكومة الانتقالية اقتصادياً، وأضاف (ما يشهده سوق العملات الآن يتم بفعل فاعل)، وشدد على أن الأمر يتطلب إجراءات عملية وليس أحاديث سياسية.
خبراء شبهوا الأداء الاقتصادي لوزراء الاقتصاد بالحكومة الانتقالية، بمن يرمي بالحجارة على الشجرة القديمة فتتساقط على رؤوسهم وتفتح مزيداً من الجراح… ثم ترمي مزيداً من الحجارة .. والمواطن هناك يئن وينزف، صحيح أن الوقت ما زال باكرًا للحكم عليهم… إلا أن (الجوع كافر) والأزمات ما زالت تراوح مكانها، فيما يرى آخرون أن الحكومة الانتقالية انصرفت إلى الاهتمام كلياً بملف السلام، والملف الخارجي ,وتجاهلت مشاكل المواطن ومعاشه ، وبالمقابل رفضت شرائح عديدة من المتابعين القاء اللوم على الحكومة الانتقالية باعتبار أنها ورثت هذه الأزمات من الحكومة البائدة.
ضعف قرارات
وقال المحلل السياسي د. صلاح الدومة لـ(الصيحة)، إن المشكلة الآن ليست مشكلة معاش الناس فقط، والا لكان الناس استمروا في ممارسة الصبر، وأردف: لكن الدولة الآن أصبحت متراجعة إلى الخلف (ما ماشة للأمام)، وباتت آيلة للانهيار، وقال: الإنقاذ لن تعود، لكن أتوقع أن يحدث تغيير في طاقم الحكومة الحالي.
ويرى الدومة أن الوقت الراهن يحتاج إلى قرارات شجاعة وجريئة من قيادات (قحت)، وأردف: إذا دعت الضرورة فلتحارب قحت الدولة العميقة بقوة السلاح، ولا أرى غضاضة من الانتقال من سلمية الثورة إلى مربع الحسم العاجل، ولا خوف على الثورة الآن من الضياع بعد أن ثبتت أرجلها على الأرض.
تدوير للسياسات السابقة
من جانبه انتقد المحلل السياسي أداء الحكومة الانتقالية، وقال إن مستوى أدائها ليس بمستوى الثورة، وقال: الحرية والتغيير كحاضنة للثورة فشلت في إحكام قبضتها على منافذ الاقتصاد، وقال: هنالك تراخٍ واضح ولا مبالا تجاه قضايا المواطن، وعاب على وزراء الاقتصاد التصريحات (الشتراء) التي قال إنها سبب مباشر لارتفاع الدولار وضرب مثلاً بتصريحات وزير المالية ومطالبته برفع الدعم بميزانية 2020م مما ساهم في انطلاق الشرارة وتحريك السوق للارتفاع، وانتقد في ذات الوقت وزراء الحكومة الانتقالية، وقال إن اختيارهم صحيح بني على الكفاءات لكن، بطبيعتهم هم عاشوا فترة طويلة خارج السودان، وبالتالي هنالك فرق بين الممارسة الفعلية ومعايشة واقع السودان الاقتصادي ومعرفة مداخل ومخارج المضاربين وبين من جاء من الخارج يحمل حقيبته ليحكم.
وشدد على أن الحكومة ومن خلفها قوى إعلان الحرية والتغيير مطالبان بالعمل فوراً على البحث عن علاج وعدم اللجوء إلى الوعود التي درج المؤتمر الوطني وحكومته المدحورة على ترديدها (تدوير لسياسات الإنقاذ)، وليسعوا لإيجاد حل عاجل وناجع، وإلا فإن الثوار الذين أسقطوا البشير هم أنفسهم سيخرجون لإسقاطهم مجدداً، لأن الشعب لن يهتم لـ”قحت” أو الحكومة ما يهمه فقط معاشه.
الحلول المتاحة
وكانت قوى الحرية والتغيير قد أقرت بفشلها في إدارة الاقتصاد بالبلاد حتى إنها لم تستبعد الانتخابات المبكرة، وأقر رئيس حزب المؤتمر السوداني المهندس عمر الدقير بفشل قوى الحرية والتغيير في تحقيق استقرار اقتصادي بالبلاد، واعترف الدقير في «منتدى كباية شاي» بصحيفة التيار الأسبوع الماضي، بفشلهم في إدارة معاش الناس، واستبعد عمر الدقير اللجوء إلى خيار الانتخابات المبكرة، مؤكداً أنه غير وارد حالياً، وأضاف الدقير: إنهم سيعملون على ألا تقوم الانتخابات المبكرة، لكنه أضاف أنها إذا فرضت عليهم سيخوضونها مع الخائضين.
في المقابل، شن الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي هجومًا عنيفاً على حكومة حمدوك، وقال في حديثه لـ(الصيحة): الحكومة فشلت في إدارة الأقتصاد مثلما فعلت الحكومة السابقة، وأردف: هنالك قصور في الإدارة امتد من النظام السابق، والآن الحكومة الحالية تذهب في ذات الطريق، ودفع الرمادي بجملة من الحلول الآنية وقال إن الوضع الاقتصادي يمكن أن يتحسن، وينزل الدولار من مائة جنيه إلى عشرين جنيهاً إذا طبقت الحكومة بعض النصائح، وقال: أولاً قطاع الذهب ينتج سنوياً ما يعادل (200) طن بمردود (8) مليارات دولار سنوياً، هذه العائدات ذهبت هباء نسبة لأن الحكومة أوقفت قطاع التعدين التقليدي بذريعة استخدام السيانيد والزئبق، وكان حرياً بها أن توجد البدائل وتوفر لهم معينات الإنتاج.
قفل منافذ التهريب
ثانياً، يجب على الحكومة إيقاف منافذ التهريب فوراً أمام المهربين، خاصة وأن منافذ التهريب تهدر المليارات من إنتاجية البلاد، أن تتوقف الحكومة عن البحث عن الدعم الخارجي، وتهتم بالعائدات من الداخل، وأن تجذب مدخرات المغتربين التي تقارب الـ(4) مليارات دولار سنوياً، وبالتالي ستصبح مع عائدات الذهب (12) مليار دولار، وهي بالتأكيد ستُساهم في خفض الدولار إلى (20) جنيهاً.