ترجمة: إنصاف العوض
حذّرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية من انهيار الحكومة الانتقالية بسبب ما أسمته الصراع بين مكونات قطاع الأمن بالسودان، وقالت الصحيفة إن الإصلاحات داخل قطاع الأمن السوداني قد يهز التحالف الهش الحالي بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومن ثم تهديد بقاء الحكومة الانتقالية. وأضافت أن نزع سلاح وتسريح وإعادة دمج القوات الأمنية في الحياة المدنية يشكل تحديًا كبيرًا للحكومة الانتقالية ما لم تضع السلطات الجديدة خططًا لمعالجتها، وانتقدت الصحيفة حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لعدم الإعداد الجيد لتفكيك وإدماج القطاع العسكري، وقالت إن الحكومة ركّزت بدلاً من ذلك على السياسة الاقتصادية ومفاوضات السلام مع الجماعات المسلحة في المناطق المهمشة كما أن سوء التعامل مع حزم الفصل الخاصة بفيلق العمليات يوحي بانعدام الثقة بين الحكومة والجيش، مبينة أن الحكومة ليست لديها الوسائل والخبرات الكافية لمنع تكرار سيناريوهات تمرد مماثلة فى المستقبل، الأمر الذي يهدد استمرار الحكومة الانتقالية وأرجعت الصحيفة أسباب اندلاع التمرد وسط فيلق العمليات إلى تقليص الحكومة استحقاقاتهم لنهاية الخدمة من 2500 دولار إلى 250 دولاراً مما يشكك في مقدرة البلاد على تفكيك أجهزتها الأمنية سلمياً.
قلق شعبي
فيما حذر المبعوث الأمريكي الخاص السابق للسودان كميرون هادسون من تأخر رفع العقوبات الأمريكية عن السودان بسبب تجدد العنف بين المكونات العسكرية في إشارة للأحداث التي وقعت بين المكونات العسكرية وفصيل من قوات الأمن، مبيناً أن التماهي بين موقف العسكريين والمدنيين بقيادة البرهان وحمدوك عجل بإجهاض العنف وعودة الهدوء الحذر للخرطوم، وقال هدسون في مقال نشره في موقع أتلانتك كاونسل البحثي إن أي محاولة من قبل أي عضو في جهاز الأمن السيطرة على المؤسسة العسكرية سوف تهلك أي أمل في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ما من شأنه أن يقلل بشكل كبير من احتمال الاستثمار والمساعدة في المستقبل، مبينًا أن المسؤولين الأمريكيين ينظرون إلى التصنيف كأفضل وسيلة فاعلة لتعزيز الحكم المدني. وارجع هدسون اندلاع العنف المتقطع في البلاد بدءاً من أحداث بورتسودان ودارفور والخرطوم إلى حالة القلق وعدم اليقين الذي يشعر به المواطن السوداني بسبب عدم وضوح الرؤية الاقتصادية والسياسية، مشيراً إلى أن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي يدفع المسؤولين والمواطنين إلى العنف على حد سواء، مضيفاً أنه حال حدث عنف واسع النطاق، فسيشير إلى نهاية تجربة السودان في الحكومة المدنية ويعلق أي حديث آخر حول خطط المشاركة الدولية السخية وإلغاء العقوبات.
عنف طائفي
مبينًا فشل الدولة في هيكلة أجهزتها الأمنية سلمياً في ظل إهمال حكومة حمدوك مصير القوات المسرحة. وقال هدسون إن السودان عانى من العنف طوال تسعة أشهر عمر الاحتجاجات التي قادها المدنيون والتي بدا أنها تفسح المجال، بحلول نهاية عام 2019 لفترة من الاستقرار النسبي، حيث تم إنشاء حكومة انتقالية بقيادة مدنية، وعاد رئيس الوزراء الجديد عبد الله حمدوك، من زيارة تاريخية لواشنطن في أوائل ديسمبر، لتركيز إدارته على إعداد أول ميزانية وطنية بعد البشير.
وكان الهدوء قصير العمر ففي الأيام التي سبقت العام الجديد، اندلعت أعمال العنف في منطقة دارفور الغربية، وقتل أكثر من ستين مدنياً في قتال عنيف أشعلته التوترات القبلية المستمرة منذ فترة طويلة. في الوقت نفسه، هز مدينة بورتسودان الواقعة في أقصى شرق البلاد أيضًا عنف من المشاجرات الطائفية التي أسفرت عن مقتل أربعة عشر شخصًا وإصابة ستين آخرين.
والآن ولأول مرة منذ ذروة الثورة في الصيف الماضي، عاد تهديد العنف إلى العاصمة الخرطوم. في جهد مُبلَّغ عنه لنزع سلاح أعضاء وحدة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة قاوم أعضاء الوحدة الجهود المبذولة لإزاحتهم سلمياً وأطلقوا نيران أسلحتهم في الهواء، وأخذ العديد من قادتهم كرهائن، وتسبب الجيش السوداني في إعادة نشر المعدات الثقيلة في شوارع الخرطوم. وكإجراء وقائي، تم إغلاق مطار البلاد الدولي لفترة وجيزة وفُرض حظر التجول، مما أثار مخاوف من احتمال وقوع المزيد من أعمال العنف الخطيرة والواسعة النطاق في العاصمة.
المفسد المجهول
لا يوجد حتى الآن أي دليل يشير إلى أن حلقات العنف المتنوعة جغرافيًا وسياسياً مرتبطة أو موجهة من مصدر واحد، لكن هذا لا يوقف الانزعاج شبه المستمر لمنظري المؤامرة، الذين يقدمون شائعات جديدة على أساس يومي تقوم على إلقاء اللوم على الفصائل الإسلامية في التحريض على الفوضى في جميع أنحاء البلاد، اوإلقاء اللوم على البشير وحلفائه في حزب المؤتمر الوطني على نطاق واسع أو الإشارة بالأصبع إلى تأثير الجهات الخارجية القوية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة؟
وفي صدفة مؤسفة، صادف أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي الذي التقى بعض قادة الميليشيات
العسكرية وقوات الدعم السريع قبيل تمرد المخابرات
هناك سبب أكثر ترجيحًا للتوترات الكامنة في البلاد وأحد الأسباب التي قد تؤثر على المزاج السياسي وتمكن هذا النوع من العنف العشوائي على ما يبدو تدل على أن العنصر المشترك الذي تقوم عليه هذه الحلقات ليس هو المفسد المجهول، بل هو عدم اليقين المتفشي الذي يسيطر على الانتقال السياسي المستمر في السودان.
صفقة غامضة
فبعد مضي ستة أشهر تقريبًا، يبدو أن الصفقة الحاكمة بين المدنيين وقوات الأمن قوية، لكنه لم يتحقق تقدم ملموس في تحديد الجانب الذي سيظهر بصفته الفاعل المهيمن في نهاية الفترة الانتقالية. هذا يعني أن هناك حالة من عدم اليقين المستمر حول من هو المسؤول في النهاية، ليس اليوم فقط، ولكن أيضًا في المستقبل. إن عدم اليقين بشأن ما سيكون عليه المستقبل السياسي يعني عدم اليقين بشأن ما إذا كان – وأي منهم – سيحصل على الوظائف والموارد التي يحتاجون إليها لدعم أسرهم.
لا يعرف حكام الولايات المعينون عسكريًا في جميع أنحاء البلاد المدة التي سيظلون فيها في وظائفهم، ومن يجب يكونوا تحت أمرتهم وما مسؤولياتهم بوصفهم حكامًا غير منتخبين في حكومة انتقالية بقيادة مدنية.
فالقوات العسكرية وقوات الميليشيات، من القيادة إلى الخطوط الأمامية، غير متأكدة من مستقبلها في بلد قد لا تكون فيه عناصر الأمن هي الطبقة المحمية، وقد تكون في الواقع مسؤولة عن جرائمهم السابقة وحتى بالنسبة لأولئك الذين لديهم نوايا أكثر نقاءً في هذه المنظمات، الذين يرون أنفسهم ومؤسساتهم كضامنين وحماة للدولة، فإنهم أيضًا غارقون في عدم اليقين بشأن مسؤولياتهم حيث تناقش الأمة الآن صراحة إصلاح وتقليل دور هذه الجهات الفاعلة القوية في البلاد .
شكوك ومخاوف
وكذلك ضباط المخابرات غير متأكدين من سبل عيشهم المستقبلية – كما يتضح بالأمس، عندما تم تسليم الكثير منهم مكافأة نهاية خدمتهم إن عدم استعدادهم لقبول مستقبلهم الجديد بهدوء على الأرجح هو ما أثار المواجهة التي حدثت، على الرغم من المجموعة الجيدة من نظريات المؤامرة المطروحة على الساحة، فإن هذا الفراغ من عدم اليقين ساعد بالتأكيد على المساهمة في بيئة يمكن أن يعود فيها العنف الطائفي خارج العاصمة إلى الظهور.
بالتأكيد، يتم تحديد فترات الانتقال من خلال تصديها لحالة عدم اليقين إيجابياً، وذلك أن عدم اليقين حول أي عناصر من النظام السياسي السابق سوف تبقى والتي سيتم القضاء عليها؟ وما يمكن أن تكون العواقب الفردية والجماعية لهذه التغييرات؟ تظل كل هذه الأسئلة مشروعة في السودان اليوم وتسبب قلقًا خطيرًا وسط هذه الاطرا ف.
في النهاية، وبقدر ما يزعج عدم اليقين السياسي الحالي الكثيرين، وقد يكلف الأرواح، فقد أثبت حتى الآن أنه أداة قوية للحفاظ على الجهات الفاعلة الرئيسية صادقة وملتزمة بجدول أعمال مشترك. إذا كان ذلك يعني الحفاظ على الثورة، وتوسيع المرحلة الانتقالية، وتقديم مستقبل أفضل للسودان، فربما ينبغي أن يتعلم الجميع داخل وخارج البلاد قبول عدم اليقين باعتباره شرًا ضروريًا.