“الصيحة” تفتح أخطر ملفات فساد الأراضي (1)
الساقية (1) مطري الجريف غرب ..
متضرر: اعتماد توكيل بعد وفاة المُوكّل أضاع حقوقي
مدير عام أراضٍ: يجب فتح تحقيق وحجز الساقية
مدير النزع والتسويات: هذه هي حقيقة ما حدث
قانوني: تجديد التوكيل يتطلب حضور المُوكّل والأراضي أخطأت
تحقيق ـ محيي الدين شجر
فتح النائب العام الباب واسعاً لإبراز فساد الأراضي إبان حقبة النظام البائد..
وإذا كانت هنالك قضايا لفساد أراضٍ قد برزت إلى السطح كقضية مكتب والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر، وقضية أرض المدينة الرياضية وغيرها يعرفها القاصي والداني، فإن هنالك قضايا أخرى لم تظهر إلى العلن نتيجة للدقة في التخطيط للفساد التي اتبعت فيها ..
ومن تلك القضايا التي أجرت (الصيحة فيها هذا التحقيق) قضية الساقية (1) مطري الجريف غرب.
وبالرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً على تلك الإجراءات الخاطئة من قبل مصلحة الأرضي بولاية الخرطوم، إلا أن أحد المتضررين ظل يلاحق حقه الضائع دون جدوى بل وصل حتى إلى المحاكم ولم تنصفه.
إن المثل الذي يقول ما ضاع حق من ورائه طالب، ساعدني في كشف تفاصيل مدهشة عن استخدام أراضي ولاية الخرطوم لتوكيل بعد وفاة الموكل في سابقة خطيرة تهدد (السلطة القضائية) التي منحتها للسادة المحامين (سلطة التوكيل)
كما يفتح هذا التحقيق مسألة أكثر خطورة تتمثل في السؤال المهم، هل يمكن للمحامي حينما يطلب منه تجديد توكيل أن يكتب في التوكيل القديم هذا التوكيل لم يلغ حسب علمي أم يقوم بالتجديد بحضور الموكل، وإذا كان الموكل قد انتقل إلى رحاب الله، ما هو تقييم ما خطه المحامي بيده على التوكيل القديم..
البحث في قضية مر عليها أكثر من عشرين عاماً لم يكن بالشيء اليسير خاصة في ظل تكتم شديد على مستنداتها والمحاولات المستميتة لإخفاء الحقيقة..
لأكثر من شهر ظللتُ أنقب وأبحث عن الحقيقة وسط كوم من المماطلات والتعتيم .
البداية.. أنا مظلوم
زارني الدكتور مبارك محمد عوض الجيد محمد وهو طبيب بيطري شاكياً، من ظلم وقع عليه عام 2001م، قال لي إنه طرق كل طرق التقاضي، لكنه لم ينل حقوقه، واشتكى لكل المسؤولين عن الأراضي بولاية الخرطوم، لكنه ظل يجد التجاهل والصد..
وأضاف: لولا أنني مؤمن بأني مظلوم لما بقيت طوال تلك الفترة باحثاً عن حقي المسلوب..
وتحدث مبارك عن قصته قائلاً: بتاريخ 24/2/1991 قمت بشراء نصف فدان من الساقية رقم (1) مربوع مطري الجريف غرب الخرطوم من مالكها (على الشيوع) عزيز سوس بموجب شهادة بحث صحيحة، وذلك بمبلغ وقدره (ثلاثمائة ألف جنيه) عبر وكيل المالك ويدعى الأمين أحمد محمد الشايقي الذي أقر باستلامه المبلغ، وذلك بموجب توثيق رقم ع .م. م /28/91 صادر من مكتب الأستاذ عبد العزيز مصطفى محمداني المحامي بالخرطوم..
مضيفاً: صدر قرار وزاري بالرقم 5/95 بتاريخ 23/4/1991 من وزير الشؤون الهندسية السابق شرف الدين بانقا وذلك بنزع الساقيتين (13.1 ) مطري الجريف غرب على أن يتم تعويض الملاك والمستفيدين بحيث يكون نصيب الفرد 60% تعويض كقطع سكنية على أن تذهب الـ40% من الأراضي كشوارع وخدمات لصالح الدولة (مرفق القرار).
وفاة الموكل
مضيفاً: توفي عزيز سوس بلندن عام 1999، حيث أفادت الكنيسة الإنجيلية بالخرطوم بوفاته، ورغم وفاته قامت وزارة التخطيط العمراني بتاريخ 29 ديسمبر 2001م بتسليم التعويض للوكيل بواسطة ضابط النزع والتسويات السابق رغم مخاطبتي لها بأن الموكل عزيز سوس قد توفي، وأصبح التوكيل لاغياً..
فقدان الشرعية:
وزاد بقوله: لم تتراجع مصلحة الأراضي عن الإجراءات التي اتبعتها رغم وصول خطاب من الكنيسة الإنجيلية بالخرطوم يفيد بموت الموكل عزيز سوس بلندن عام 1999م، قبل إبرام عقدها مع الوكيل والذي تم في العام 2001م، حيث خاطبت الإدارة القانونية بمصلحة الأراضي الطائفة الإنجيلية بالخرطوم مستفسرة عن المواطن عزيز سوس بعد وصول شكوى مني تفيد بموته، وجاءت إفادة الطائفة الإنجيلية بولاية الخرطوم بأن عزيز سوس توفي بلندن عام 1999م، ورفضت إجراء تحقيق في الكيفية التي تم فيها اعتماد توكيل فاقداً شرعيته بموت الوكيل بل لم تحقق في الأسباب التي جعلت إدارة النزع والتسويات بأراضي ولاية الخرطوم تعتمد توكيلاً منتهي الصلاحية..
رفض:
وقال: التوكيل الذي اعتمدته إدارة النزع والتسويات وقامت بموجبه بتسليم كل أرض عزيز سوس للموكل الأمين محمد أحمد الشايقي كان قد رفضه مدير عام الأراضي وقتها، وطالب بتجديده لمرور أكثر من عشر سنوات على كتابته، إلا أن المحامي الذي حرر التوكيل كتب فيه (هذا التوكيل حسب علمي لم يلغ والوكيل استلم الأموال) لتقوم إدارة النزع والتسويات باعتماده رغم أن المحامي لم يقم بتجديده كما طلب مدير عام الأرضي لموت الموكل.
شد وجذب
ولمعرفة ما هو الإجراء الصحيح الذي كان من المفترض أن تتخذه أراضي ولاية الخرطوم بعد موت الموكل حرصت على لقاء أحد المديرين العامين للأرضي بولاية الخرطوم، حيث ذهبت إليه بمكتبه بالخرطوم وبعد شد وجذب وافق على الحديث إلا أنه فضل عدم ذكر اسمه..
تحدث إليّ (قائلا): إذا علمت الأراضي أن الموكل قد توفي ووصلها ما يفيد ذلك كان عليها أن تقوم بحجز الساقية وإجراء تحقيق عاجل في الطريقة التي اعتمدت بها إدارة النزع والتسويات لتوكيل بعد موت الموكل، مضيفاً: الساقية بعد ذلك تصبح خاصة بورثة المالك المتوفى وهم من عليهم وحدهم استكمال الإجراءات بعد ذلك.
وقال إنهم درجوا في الأراضي على عدم اعتماد أي توكيل مضى عليه خمس سنوات، وذلك نسبة للمخالفات الكثيرة التي تشهدها الأراضي، مندهشاً من اعتماد توكيل تُوفّي مُوكّله ..
تساؤل:
يؤكد مبارك محمد عوض الجيد بوجود مساحة كبيرة اختفت من التعويضات التي منحتها الأراضي لعزيز سوس قال إنها تقدر بـ(3328) مترا مربعاً من جملة تعويض عزيز سوس للثلاثة فدان التي كان يمتلكها في الساقية (1) مطري الجريف غرب، وقال إن قرار وزارة التخطيط العمراني رقم 5/95 يعطي عزيز سوس نحو 7650 متراً ولكن ما سلم للوكيل المنتهية وكالته كان فقط 4232 متراً، وقال إنه تقدم بشكوى لمدير عام مصلحة أراضي الخرطوم والذي بدوره خاطب مكتب تسجيلات أراضي الخرطوم شرق بخصوص نصيب عزيز سوس بالساقية (1) مطري الجريف غرب، حيث ردت في خطابها بتاريخ 25/4/2015 بقولها (إشارة إلى خطابكم بالنمرة م أ /م ت / 1 بتاريخ 17/2/2015 المحال إلينا بموجب خطاب السيد المسجل العام للأراضي بالنمرة م ع أ / عمومي /1/2 بتاريخ 2/3/2015 بخصوص الموضوع أعلاه نفيدكم بأن سجل الساقية (1) مطري الجريف غرب ممزق، وعليه تعذر علينا إفادتكم .(تابع خطاب تسجيلات أراضي الخرطوم شرق).
وتساءل بقوله: إذا كان ممزقاً فكيف تمزّق ومن المسؤول عن تمزيقه وهل تم تحقيق في سجل ممزق؟
وأضاف كيف يطمئن الناس إلى العدالة إذا كانت السجلات التاريخية تتعرض إلى التمزيق.
النزع والتسويات ترد
النقاط التي أثارها مبارك تنحصر في أن الأراضي اعتمدت توكيلاً مات موكله بسبب أن المحامي الذي أصدر التوكيل كتب فيه حسب علمي هذا التوكيل لم يلغ، وبعد علمها بموت الموكل لم تحقق في القضية، وأنها كذلك لم تجتهد في معرفة الأسباب التي أدت إلى تمزيق خطاب تاريخي في تسجيلات أراضي الخرطوم شرق..
ذهبت بتلك النقاط إلى إدارة النزع والتسويات بحي المجاهدين بالخرطوم وفي البداية رفض مدير النزع والتسويات الحديث وطلب مني أخذ الإذن من مدير عام الأرضي والذي بدوره طلب مني كتابة خطاب بالموضوع الذي تريده وبعد مرور أكثر من 13 يوماً تمت الموافقة لمدير النزع والتسويات للحديث..
حيث قال لي أسامة عبد الله شابو مدير النزع والتسويات بأراضي ولاية الخرطوم: إن هذه القضية كانت قبل تقلده المنصب ووعد بالبحث في الأسئلة التي سلمتها له بناء على طلبه في ملف الساقية موضوع هذا التحقيق ليقول: بعد مضي أكثر من عشرة أيام على تقديم أسئلته له: التوكيل الذي تم به الإجراء منتهي الصلاحية، ولكن بمراجعة التوكيل المودع بالملف فإنه صادر بتاريخ 7/8/1990 من المحامي نبيل أديب عبد الله، وتم إبرام العقد مع الوكيل الأمين أحمد محمد الشايقي بتاريخ 16/1/2001م بواسطة ضابط نزع ملكية السواقي (13,1) مطري الجريف غرب (آدم علي يسن) بعد أن علق المحامي المذكور بأن التوكيل لم يلغ، وذلك بتاريخ 16/1/2001م، علماً بأن المواطن عزيز سوس توفي بلندن في مارس 1999م، حسب إفادة مجلس الطائفة الإنجيلية بالخرطوم بتاريخ 25/2/2004م، مضيفاً: بالاتصال الهاتفي مع ضابط النزع للساقية أفاد بأن التوكيل تم اعتماده من المحكمة العليا وأبرم به الإجراء..
وحول أن التوكيل لم يُجدّد لموت الموكل قال: تم إبرام عقد الاتفاق بواسطة ضابط نزع ملكية السواقي (13,1) مع الوكيل الأمين أحمد محمد الشايقي وكيلاً عن عزيز سوس بعد أن علق المحامي أن التوكيل لم يُلغ…
وقال إن الجهة التي قامت بالتعويض هي مصلحة الأراضي ممثلة في ضابط نزع ملكية السواقي (1,13) مطري الجريف غرب آدم علي يسن مع وكيل مستاجر القطعة وتم التعويض بمساحة 4232 وليس 7569 والتعويض تم بموجب القرار الوزاري رقم 5/95 بتاريخ 23/4/1996 كما ورد في الفقرة (3)
وحول اختفاء مساحة من مساحة الساقية وعدم تعويض المواطن مبارك رغم شرائه لمساحة نصف فدان من الساقية (1) مطري الجريف غرب رد بقوله: عزيز سوس يمتلك نصيب ثلاثة أفدنة في الساقية وبالرجوع إلى عقد الاتفاق بالملف فإن القرار الوزاري لم يشر إلى أن هنالك أسساً أخرى تؤدي إلى 7569 مترا مربعاً، مضيفاً: المواطن مبارك محمد عوض الجيد تم تعويضه بالقطعة رقم 543 مربع 18 الفاتح
وأكد مدير النزع والتسويات أن سجل الساقية وصلت الإفادة بأنه ممزق في عام 2015 في حين أن الإفادة التي اعتمدتها إدارة النزع والتسويات كانت في العام 1995، ولم تقل بأن السجل ممزق.
تعجب:
نفى مبارك (المتضرر) بأن يكون قد استلم تعويضاً من الأراضي في منطقة الفاتح عن نصف الفدان الذي اشتراه في مطري (1) الجريف غرب، وقال إن أرضه في الفاتح هي استحقاق كونه طبيباً بيطرياً ولا علاقة لها بقضيته مع أراضي ولاية الخرطوم، مستغربًا من حديث مدير النزع والتسويات بأنه تم تعويضه في تلك المنطقة التي لا علاقه لها بما اشتراه من حر ماله في الساقية (1) الجريف غرب.
إصرار:
ورغم أن التوكيل الذي أبرمت به مصلحة الأراضي ولاية الخرطوم إجراءاتها كان توكيلاً منتهي الصلاحية بموت الوكيل تحصلت الصيحة على خطاب صادر من مكتب وزير التخطيط العمراني صادر في ديسمبر عام 2012 يرد فيه على شكوى وصلته من المتضرر مبارك يؤكد فيه أن التوكيل معتمد وأن الأمين أحمد محمد الشايقي استلم التعويض المستحق وقام بتسجيله في اسم موكله عزيز سوس لدى تسجيلات أراضي الخرطوم (مرفق صورة من الخطاب).
وبنفس هذا المنطق يقول خطاب صادر من مكتب وزير التخطيط العمراني عام 2017 إن الأراضي تعاملت مع الوكيل المعتمد..
كما تحصلت الصيحة على مستند صادر من مدير النزع والتسويات عبد اللطيف محمد نور يرد على شكوى من المتضرر مبارك محمد عوض يقول فيه إن التعويض يخص عزيز سوس وقد تم الاتفاق مع وكيله القانوني الأمين محمد أحمد الشايقي…
الرأي القانوني
“الصيحة” ولمعرفة تفاصيل أكثر دقة عن التوكيلات التي يصدرها المحامون متى وكيف تنتهي، التقت بالخبير القانوني (كمال محمد الأمين)، حيث أفاد بأن التوكيل ينتهي بموت الموكل وأن تجديده يستلزم حضور الموكل ..
كما وافقه المحامي محمد أحمد عثمان بقوله: قانون المعاملات المدنية لم يحدد نصاً صريحاً على انتهاء التوكيل، ولكن المتبع في مصلحة الأراضي أنها لا تعتمد توكيلاً مضى عليه أكثر من خمس سنوات، ولهذا ظلت تطالبنا بتجديد التوكيل حفاظاً على حقوق المالك خشية أن يكون الموكل قد توفي أو قام بإلغاء التوكيل، مبينًا أن الموكل يمكن أن يقوم بإلغاء التوكيل لدى محامٍ آخر غير الذي أبرم التوكيل، وقد يتوفى الموكل بعد أن يقوم بتوكيل شخص ما عقب خروجه من مكتب المحامي .. كما تطلب حضور الموكل شخصياً للتأكد من صحة التوكيل.
وقال إن بعض المحامين درجوا وخاصة في السيارات على توكيل أشخاص ويكونوا قد باعوا لهم فعلًا ليقوم الوكيل ببيع السيارة بعد ذلك، ولكن العقارات تختلف بحيث لا يستطيع الشخص الذي تم توكيله التصرف في العقار بعد موت الموكل.
وقال إن تجديد التوكيل يمكن أن يتم في التوكيل القديم بأن يكتب المحامي حضر أمامي الموكل، ويمكن أن يتم في توكيل جديد، مؤكداً بأن المحامي الذي كتب هذا (التوكيل لم يلغ) لا يعني أنه قام بتجديده.