نبيل آخر!!
* عُرِف المحامي نبيل أديب تاريخياً بالنزاهة والأدب الجم وسمو الأخلاق والدفاع عن المقهورين والمظلومين ومن سلبت السلطة حقوقهم، ولا يختلف اثنان في أخلاق نبيل أديب ويحترمه الخصوم قبل الأصدقاء إن كان لنبيل أديب أصلاً خصوم في الوسط السياسي والاجتماعي كفرد لا كفكرة، لأن أديب من غلاة اليسار الذين من بينهم شخصيات عرفت بالنزاهة وحسن الأخلاق، ونبيل من طينة الراحل محمد إبراهيم نقد والشاعر محجوب شريف، تلك كانت صورة نبيل أديب حتى عهد قريب وزمان غير بعيد.
ماذا يحدث اليوم لنبيل أديب المحامي؟
قد أصبح نبيل أديب واحداً من عرابي النظام الانتقالي الذي بدلاً من إرساء قيم العدل والفضيلة والنزاهة والأخلاق مضى في درب النظام السابق حافراً بحافر وخطوة بعد أخرى ولا يستحي قادة الحكومة الانتقالية من ترديد مقولة (كانت الحكومة السابقة تفعل أكثر مما نفعل نحن)، ولا يوقظها ضميرها في أن تطأ بأقدامها على كل شيء حتى تبقى تحت شعار (الحفاظ على الثورة من مؤامرة الفلول).
وكل الأنظمة الباطشة القاهرة لشعوبها كانت تردد مقولة الراحل جمال عبد الناصر لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وما كانت هناك معركة أصلاً.
نبيل أديب صمت وقانون تفكيك النظام السابق المعيب يعبر صحراء الخليج من هناك إلى الخرطوم كوصفة من الداعم والراعي الخليجي للقضاء نهائياً على بقايا النظام السابق، وهو قانون مثل قانون رولات الهندي، ويتحمل نبيل أديب تاريخياً مع آخرين موافقتهم وشرعنتهم لمثل هذه السوابق التي تظل تلاحق تاريخهم جيلاً بعد جيل
والآن تطوف على وسائل التواصل الاجتماعي مسودة قانون قيل إن واضعه ووالده الشرعي هو المحامي نبيل أديب والمسودة التي يتم الترويج لها قيل لتنظيم التظاهرات والاحتجاجات بجعل حق الاحتجاج والتظاهر بيد ضباط الشرطة، وهي ذات نصوص قانون النظام السابق الذي كان يقيد الخروج للشارع لمن ضاقت به دهاليز الحكم، فهل ثوار ديسمبر استخرجوا من وزارة الداخلية تصريحاً يسمح لهم بالاعتصام أمام القيادة العامة وإرغام الضباط في هيئة القيادة الأمنية على خلع الرئيس الذي جاء بهم.
وعلى ذكر القيادة العامة فالأستاذ نبيل أديب اختار لنفسه أو اختير له أن يتولى رئاسة لجنة التحقيق لمعرفة من فض الاعتصام ومن سفك دماء الشهداء في آخر أيام رمضان الماضي.
نبيل أديب الآن يواجه أصعب امتحان وفي جوف الرجل (قلبين) قلب مع الحرية والتغيير وهي التحالف الذي كانت له بصمات في تشكيله وله (عود) في الدفاع عنه، وفي جوف الرجل أخلاق وقيم عدالة وضمير يحاسبه عندما يأوي إلى فراشه أو حينما يصلي يوم الأحد في الكنيسة القبطية بالخرطوم بحري.
أمام الأستاذ نبيل أديب وهو قد أصبح قاضياً خيارين لا ثالث لهما أما أن تقول لجنته إن فض الاعتصام مسؤولية المجلس العسكري والقوات التي قامت بالفض هي قوات نظامية، وبالتالي محاسبتها ورفع الحصانة عن الضباط المتورطين في القتل وتقديمهم للمحاكمة، وتسمي اللجنة كل شيء باسمه ليستعيد نبيل أديب على الصعيد الشخصي ما فقده من رصيد في بنك الأخلاق والقيم وإما أن تقول لجنة فض الاعتصام عن القوات الأمنية براءة مما حدث وإن القوة التي فضت الاعتصام وقتلت الشهداء هي قوات هبطت من مكان آخر وهي تتألف من كتائب الظل والمجاهدين وباشبوزق النظام السابق، وإن من أصدر لهم التعليمات بقتل الشهداء هو الرئيس السابق عمر البشير وإن الذخائر تسلمتها القوة من المخزنجي علي عثمان محمد طه، وإن المهمات الأخرى تسلمتها القوة من والي الخرطوم الأسبق عبد الرحيم محمد حسين!!
نبيل أديب إذا برأت لجنته القوات النظامية والمجلس العسكري، وقالت إنهم غير مسؤولين عن فض الاعتصام ستكسب اللجنة إلى جانبها المكون العسكري في السلطة ويرتاح لها ويضحك معها، ولكنها في ذات الوقت ستخسر الشهداء وأسرهم وستخسر الشارع السياسي والاجتماعي والعكس صحيح يمكنها أن تخسر العسكر وتعيد إنتاج الأزمة الداخلية وتضع الشراكة في المحك إن هي قالت بغير براءة العسكر!!
لكن أمام نبيل أديب مخرج صغير (ونفاج ) قد يحتاج إليه في محنته الحالية باللجوء إلى المحامية بدرية سليمان أحد أمهر ترزية السلطان في حياكة الدساتير والقوانين وتزييف تقارير اللجان وتفصيلها بما يرضي السلطان وبدرية سليمان يمكنها إعانة نبيل أديب في محنته الحالية لإعداد تقرير يضحك له البرهان ويقهقه حمدوك، ولكن الشارع يمكن خداعه وتخديره باستخدام ذات المخدر الحالي (ده كله من النظام السابق).
نبيل أديب الآن في محنة وبات اسمه وتاريخه في المحك وهو يدفع ثمن الوقوف مع سلطة صنعها مع آخرين والثورات تأكل بنيها وتأكل أمها وأبيها وثورة ديسمبر الآن تأكل من شعاراتها والقيم التي وعدت بجعلها دستورًا جديدًا، ولكن ضعف الطالب والمطلوب!!
وأصبح القانون هزيلاً وبان هزاله حتى سامه كل مفلس.