الخرطوم ـ أنعام عامر
تطوُّرات خطيرة يمر بها القرن الأفريقي والإقليم بصورة عامة تنذر باضطرابات وحالة من عدم الاستقرار، الأمر الذي يستدعي مطلوبات جديدة وملحة بهدف صون الأمن الإقليمي، من بينها التعاون المشترك لدول الإقليم بهدف الحفاظ على أمنها وسيادتها.. ليبقى الأمن الإقليمي بمنطقة البحر الأحمر من الملفات الهامة في ظل تدهور الأوضاع في محيط الإقليم وتجدد التوترات في البحر الأحمر، الأمر الذي بات يهدد الملاحة البحرية فيه، أحداث وضعت الأمن الإقليمي برمته على صفيح ساخن..
قراءة جديدة للملف ترسم سيناريوهات المشهد خلال الفترة القادمة، وتتساءل عن أي مدى تؤثر حالة الاضطراب تلك على الأوضاع في دول الإقليم؟
المشهد (1)
يرسم هذا المشهد الصورة القاتمة التي خلفتها التكتلات السياسية الإقليمية على هذا الجزء الاستراتيجي من أفريقيا. بدأ صراع المحاور الإقليمية حول البحر الأحمر محموماً للغاية، إذ رمت الحرب في اليمن والمواجهة مع ايران بظلال خطيرة عرّضت أمن البحر الأحمر إلى حالة تهديد مستمرة. وخلّفت الاستقطابات الحادة للمحاور الإقليمية واقعاً آخر على ضفتي البحر الأحمر، نتيجة الحرب في اليمن والمواجهة مع طهران، رغم أن بعض تلك الحروب فرضتها القوى الدولية، إلا أنها رمت بظلالها على القرن الأفريقي بشكل كبير، ما عرّض التجارة والملاحة في هذا الإقليم إلى الخطر.. وظل تسابق القوى الإقليمية لإحكام النفوذ على موانئ البحر الأحمر كبير خشية تمدد النفوذ الإيراني وإفرز ذلك عمليات واسعة لشراء النفوذ على الجهة الغربية المطلة على البحر الأحمر، وشمل ذلك إنشاء قواعد عسكرية للقوى الدولية والإقليمية إضافة إلى فرض إملاءات عرّضت دوله إلى المساس بسيادتها الوطنية.
نظرة قلقة أخرى يطلقها مراقبون على تدهور الأوضاع الأمنية في إقليم القرن الإفريقي وحوض البحر الأحمر، الممر المائي الأكثر حيوية بالنسبة للتجارة العالمية وللدول الشاطئية.. ويتمدد القلق ليشمل مداخل البحر الأحمر.. وهنا توقع خبراء أن نقاط العبور الرئيسة أقصى شمال وجنوب الأحمر المتمثلة في قناة السويس ومضيق باب المندب هي الأخرى عرضة للخطر، ما يعني أن خارطة التهديدات على البحر الأحمر قد تتوسع في المستقبل القريب. وتظل حالة التهديدات هنا مرتبطة صعوداً أو هبوطاً بدرجة التوترات في المنطقة.
وتشير قراءة الواقع إلى أن الأوضاع الأمنية بالإقليم سوف تتأثر بشكل كبير في ظل رفع درجة الضغوط القصوى التي تُفعّلها الولايات المتحدة في المواجهة مع طهران، ويلعب عدم حسم ملف الحرب في اليمن دوراً كبيراً في ارتفاع موجة الاضطراب بالإقليم. ويمكن إجمال القول في أن التحديات الماثلة التي تحدق بالمنطقة تبدو كبيرة للغاية، إذ أن البحر الأحمر يقع الآن تحت طائلة الصراعات الإقليمية والدولية حول جزره وموانئه الاستراتيجية ما أوقع دوله ضحية أجندات تغولت على سيادتها الوطنية..
المشهد (2)
يركز هذا المشهد على فرص تزايد المنافسة المحتملة للقوى الكبرى إلى الدور المتزايد لدول الخليج في السياسة الأفريقية بصورة عامة ودول القرن الأفريقي بشكل خاص بما في ذلك الدول المطلة على البحر الأحمر خلال الفترة المقبلة التي قد تمتد لشهور. ويمكننا هنا إبراز مدى خطورة التقاطعات في الأجندات الدولية والإقليمية من جهة وتقاطعات أجندات التحالفات الإقليمية مع بعضها، من جهة أخرى. وهو أمر يعني وضع الإقليم كاملاً تحت ضغوط الشد والجذب من الأطراف المتنافسة إقليمية كانت أو دولية على حد سواء، ويعني ثانياً نقل مسرح الصراع والمواجهات إلى المنطقة غصباً، خاصة أن طهران تهدد بتعطيل الملاحة بالبحر الأحمر حال الاستمرار في استهدافها، وهو وضع لا تبدو حلوله جاهزة في الوقت الراهن، الأمر الذي يهدد بعدم الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وعلى أقل تقدير فإنه ينذر بنقل التوترات إلى الإقليم وجعله يعيش على حافة الخوف من شبح الحرب. وهنا تفرض أسئلة ملحة نفسها حول دور الكيانات الجديدة في دعم الأمن الإقليمي.
المشهد (3)
يوجه هذا المشهد العدسة حول المنظومة الإقليمية الجديدة ودورها المحتمل في صيانة الأمن الإقليمي، إذ ينظر الآن بعين دقيقة حول مقدرة الكيان الجديد وإمكانية مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر في القيام بدوره في تأمين الاستقرار والحماية للدول المطلة عليه خاصة دول القرن الأفريقي التي تعاني هشاشة كبيرة في أوضاعها السياسية..
إذن ما هي السيناريوهات والمشاهد التي تحدد مسار الملف خلال المرحلة القادمة؟.. رغم التفاؤل الكبير الذي صاحب الإعلان عن إنشاء مجلس البحر الأحمر ودوره المتوقع في حماية الأمن الاقليمي، إلا أن تخوفات أخرى فرضت نفسها بأمر الواقع بسبب التغيرات الجيوسياسية الكبيرة في المنطقة ذات الهشاشة السياسية.
وحسب تقرير نشره معهد “بوكينجز” فإن إنشاء كيان لدول البحر الأحمر يعني جمع الدول الساحلية لمناقشة المصالح المشتركة وتحديد التهديدات الناشئة وتصميم الحلول المشتركة، ويعتبر استجابة معقولة للحقائق الجديدة في تجسيدها المثالي، ويُمكّن الدول الأفريقية والخليجية من مواجهة قضايا متنوعة مثل التجارة والبنية التحتية، والأمن البحري، والهجرة المختلطة، وإدارة الصراع كحد أدنى.
واستنادا لمُعدِّي التقرير، فإنه يمكن لمثل هذا المنتدى خفض النشاط المُزعزِع للاستقرار من قِبَل أي دولة منفردة وتزويد الدول الأفريقية بمنصة لإشراك دول الخليج على قدم المساواة.
إذن، ما هي المحاذير التي يتوجب على دول الشراكة الجديدة حسمها.. تتمثل في حزمة من المخاوف الحقيقية لفت ليها مُعدُّو التقرير حول الكيان الجديد للدول المطلة على البحر الأحمر، تتمثل في شكوك حول استخدام الدول الخليجية له كأداة لتوجيه مصالحها، لذلك تساءلوا كيف ينبغي تنظيم هذا الكيان وماذا ينبغي إعطاء الأولوية؟ يشير التقرير إلى أن الإجابات على هذه الأسئلة ستُحدِّد ما إذا كان المُنتدى يمكن أن يخدم المصالح الجماعية للدول على كلا الشاطئين، أو ما إذا كان يتم دعمه لخدمة أجندات أضيق. (يشعر بعض المراقبين بالقلق من أن السعوديين – الذين تولوا مقاليد المبادرة المصرية المولد وتولوا منذ ذلك الحين دورًا رائدًا في إنشاء المجلس – قد يركزون بشكل لا مبرر له على كل من إيران والأمن) استناداً إلى رؤية التقرير.
وتظل الشراكة بين الدول الأفريقية المطلة على البحر الأحمر والدول الخليجية تحتاج إلى تقييم في حالة مجلس البحر الأحمر .. وحسب تقرير معهد “بروكينكز” فإنه يمكن فهم تاريخ الخليج والقرن الأفريقي جزئيًا من خلال الانقسام، مع وجود مفاهيم متباينة عن البحر الأحمر كميزة من سمات الاتحاد أو الانقسام. ورغم التفاعل السكاني والدول عبر هذا الطريق البحري الضيق لعدة أجيال، إلا أن الاتجاهات العالمية مثل تصاعد عدم المساواة، وتغيير مراكز السلطة، وزيادة الهجرة، والمطالب الشعبية بالديمقراطية، والمنافسات الكبيرة في مجال التجارة البحرية، غيّرت كثيراً من الواقع التعايشي بالمنطقة ما يعني أن النظام الناشئ العابر للأقاليم، سواء كان تعاونيًا أم تنافسيًا، سوف يتطلب الاهتمام المستمر.
يقول الوجه المتشائم لهذا المشهد أن منطقة البحر الأحمر سوف تظل ساحة شديدة التأثر بالمتغيرات السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.. ويشير أيضاً إلى أن تلك الحالة سوف تستمر على مدى ليس بقصير نتيجة غياب أي تسويات لملفات الحرب والمواجهة من قِبل الدول الكبرى والإقليمية الشريكة معاً. إلا أن الجانب الآخر المتفائل للمشهد يبشر بإمكانية الحد من الاضطراب بالإقليم وخفض درجة التوترات من خلال العمل الجماعي والشراكات الحقيقية بين ضفتي الأحمر دون سيادة الأجندات الخاصة أو إخضاع دول الشراكة إلى ضغوط سياسية واقتصادية.