“الإنسان خادم الطبیعة ومفسرھا”.. فرانسیس بیكون..!
في أحلَك سنوات حیاتي العاطفیة، أسعدني الله بعاملة منزلية كانت مصدر إلهام وسبباً رئیساً في تغییر معظم قناعاتي بشأن مقدرات النساء البسیطات على التغییر.. ولا أعني بالتغییر ھنا قیادة ثورة سیاسیة، أو إدارة دفة إصلاح اقتصادي.. بل مقدرات المرأة على تغییر رجل حیاتها مما تظن أنه سيئ إلى ما تتوقع أنه الأفضل لحیاتهما معاً..!
قبل نشوء صداقتنا الموسمیة – تلك الشغّالة وأنا – كنت كفلاسفة الإغریق، اعتمد في مبادراتي العاطفیة على المنطق وكانت اجتهاداتي في “حلحلة” مشكلات مؤسسة الزواج تعول في نهوضها على حركات ذھنیة صرفة، بینما كانت الشغّالة الفیلسوفة تعتمد على التجریب والمُشاھدة في قناعاتها بطبائع الرجال وبأفضل الطرق للتعایُش معهم في سلام..!
وكان السلام بالنسبة لها یعني “أن یكون الشریف مبسوطاً منھا لأنّھا تحب فنّها”، بینما كنت أرى – بسذاجة المُثقفات أكادیمیاً! – أنّ انبساط الشریف ینبغي أن یأتي كنتیجةٍ راجحةٍ لنجاحي في إقناعه بموقفي ومُقارعة حجته بمنطقي!.. وھكذا قلبت الشغّالة الصغیرة لأفكاري ظھر المجن كما فعل فرانسیس بیكون بمناھج فلاسفة العصور الوسطى..!
أھم حیل الشغّالة الفیلسوفة للتخلُّص من ألم النھایات الفاشلة كان الدخول ببساطة في علاقة جدیدة، وبكل ما أوتیتْ من حماسة وسرعة.. وھكذا كان یصعب التفریق بین موقع ھذا الحبیب من ذاك في قلبھا، فكلھم یجتمعون عند ضرورة الدلال في مُخاطبتھم وكلھم یلتقون عند وجوب المُبالغة في التزیُّن لأجلھم كلما خرجت لإجازاتھا الأسبوعیة بطلاء أظافر فاقع وعطر نفاذ یشي باحتشاد شباكھا وینذر بوقوع الصیاد “الفریسة”..!
أما صبیحة كل “شاكوش” جدید، فقد كانت الشغّالة الصغیرة تستیقظ بذات النشاط – تتثاءب طویلاً كأفراس النھر وتتمطّى كثیراً مثل أفعى رملیة – قبل أن ترفع عقیرتھا بشيءٍ من أغاني البنات التي تمجد الحبیب المُتنازع علیه وھي تدعو على “الخاینة اللئیمة الغدارة دیمة” بالویل والثبور، دونما أيِّ مساس بقداسة المحبوب وإن كان وغداً خائناً..!
ثم أنّه لیس بالضرورة أن تكون المرأة جمیلة بما یكفي بل أن تجید استخدام أجمل ما فیھا بما یكفي!.. كانت ھذه أول حكمة تعلّمتھا منھا وأنا أرقب وقفتھا مع سید الدكان ذات صباح وھي تومئ برموشھا القاتلة نحو “قدرة الفول” مُتساءلة عن مدى نضجه بابتسامة أنضجت مشاعره، فطفق الفتى یحدّق في وجھھا لدقائق، بابتسامة بلھاء ونظرات حسیرة..!
وبینما كنت أقرأ في ذلك الوقت لرائدات تحریر المرأة، كانت الشغّالة الفیلسوفة مُشتبكة في القتال مع إحدى عاملات محل الكوافیر المُجاور للفوز بقلب عامل بنّاء كان یواعد الاثنتین معاً، ویعد كل منھما بخاتم الخطوبة في ذات الوقت، ومع ذلك كان تركیز كل عاشقة منھما – لیس على خیانته المعلومة – بل على إزاحة الأخرى..!
بعد معارك عاطفیة لا حصر لھا، دخلت الشغّالة الفیلسوفة مؤسسة الزوجیة من أوسع أبوابھا وقبعت داخل أسوارھا تذود عن عروشھا بذات البسالة الأنثویة القدیمة وھي تضحك وتغنِّي وتغرق في النوم، إلى جانب أطفال أشقیاء وزوج محمول و”مشلھت” یظن نفسه – بفضل تملُّق زوجته واستخدامھا الذكي لمیزاتھا – أسعد الأزواج، وأعظم الرجال..!