يبدو أن معركة الدولار تفوق قُدرات الحكومة وأكبر من استعداداتها وتجهيزاتها القتالية، فبينما يتصاعد سعرُه ويتمطّى ويتمدّد وقارَب المائة جنيه، تقف الحكومة عاجِزة مُستسلِمة ترفع الراية البيضاء ولا تُحاول مُجرد المحاولة لقهر الدولار ومواجهته وإيقاف صعوده الجنوني المخبول، ولا يوجد أدنى مُبرر لتتحوَّل الحكومة إلى مُتفرّج مثلها مثل المواطن وتتعطل كل أدواتها وتفشل في احتواء التفاقُم المُتزايد للأزمة الاقتصادية، ولا تستطيع حتى مد يدها لجُنيهِنا السوداني من السقوط إلى قاع الهاوية !…
صحيح أنه لا يوجَد حل سحري فورِي يمنع الدولار من السيطرة على كلّ ميدان المعركة، لكن جملة من الإجراءات الاحترازية وتدابير في السياسة النقدية وتقشُّف حكومي صارم واتخاذ احتياطات أمنية لضبط السوق وتجارة العملة، كانت كفيلة بوضع كوابِح تحت أقدام الدولار تمنع صعوده الصاروخي، ومن ثَمَّ تأتي السياسات الاقتصادية الصحيحة التي تُشجّع الإنتاج وتُوقِف التدهوُر المُتلاحِق وتعمُد إلى إصلاح هيكلي للاقتصاد، لكن كل هذا لم تسع إليه الحكومة لا في سياساتها الاقتصادية والمالية المُعلنة ولا في الميزانية التي أُجيزَت مُؤخّراً وخلَت من أية مؤشرات إيجابية بنمو اقتصادي أو إصلاح هيكَلي ..
ولو اجتهدت الحكومة اجتهاداً عملّياً مُقنعاً واستفرَغت وسعها لتوفير موارد كافية لمقابلة الاحتياجات الفِعلية وسد الثغرات الاقتصادية ودعم قطاعات المُنتجين وتطوير الخدمات وتحسين بيئة الاستثمار وتجويد الصادر عبر خطط واضحة وبسيطة لا تعقيد فيها ولا تعجِيز، لَقلَّت المخاطر التي تُواجِه الاقتصاد، ولانتعشت الآمال قليلاً بحدوث تحوُّل وتقدُّم في الاتجاه الصحيح، فالاجتهاد الحكومي غائبٌ ومفقود، وتبدو الوزارات كأنها جُزُر مَعزولة عن بعضها تعمل دون تنسيق أو لا يوجد أصلاً رابط يجمع بينها، وهي مسؤولية رئيس الوزراء، ووزارة شؤون مجلس الوزراء والقطاعات الوزارية التي لم نسمع لها باجتماعات دورية واجبة، ولم نر أو نشاهد مجلس الوزراء يُحاسِب الوزراء على تقصيرهم وضعف أدائهم أو تصويب أعمالهم، كأن معركة الدولار لا تعنيهم في شيء، ولا يوجد من يقرع جرس الإنذار ..
بجانب ذلك، لا تتحرّك الحكومة ولا تبدو راغِبة في قيادة تحرُّك خارجي مُكثّف وفعّال وعملي لاستقطاب دعم خارجي، فقط تُريد حكومُتنا التواكُل والاتّكال على مؤتمر أصدقاء السودان في أبريل المُقبل، وبنت عليه أمنيات وأحلاماً غير واقعية، فالحكومات الجادة تتحرك وتتجه في كل اتجاه شرقاً وغرباً ومع الأصدقاء والأشقاء، فحتى هذا التحرّك فهو ضعيف للغاية وغير مُثمر، وليس في الأفق أية إشارات من هنا أو هناك تُطمئِن الأفئدة بأنه يوجد بلد شقيق سيَدعَم أو دولة صديقة ستَمُد يد العون ..
كل ما نخشاه هو أن يكون حال الحكومة مثل جمهرة المحكومين من شعبها وهم يفغرون أفواههم من الدهشة ومعركة الدولار تجري أمامهم وطعم الهزيمة يجتاح حلوقهم .. أين المسار ..؟ وأين المفر؟