دمعة على الصورة..!!
دمع القلب وغسلت قطراته بعض الحزن الذي انتاب قلبي ومزّق أحشائي.. ووسائل التواصل الاجتماعي تحتفي بصورة تجمع المفكر والمثقف والكاتب السياسي وأعظم وزير خارجية لدولة السودان القديمة د. منصور خالد برئيس دولة جنوب السودان “الكمرت” سلفاكير ميارديت..
يمشي منصور خالد بغير أقدامه التي قادته إلى دروب عديدة وحملته إلى بلاد بلغها بالمشقة والكدح والعلم والمعرفة.. وهنت الأقدام وعجزت عن حمل الجسد النحيل.. وأقعدها المرض وأوهنها السير في دروب السياسة.. فمشى الرجل الذي أحبه الكثير وبغضه آخرون ولكنهم جميعاً اتفقوا على غزارة عمله وعمق رؤيته وجسارته في الكتابة والتحليل وسعة معارفه الأفقية في الدين الإسلامي والتاريخ الإنساني واللغة والأدب والشعر، وأخيراً مشى منصور خالد على كرسي “متحرك”.. جلس أمام سلفاكير ميارديت حاسر الرأس مهيض الجناح أقعده المرض.. ولم تقعده الهمة.. وضع “طاقية” صغيرة على رأسه مثل للسودانيين فخراً ولأمه ولأسرته منارة بها يباهون “تسلم البطن الجابتك”!!
من نشر صورة د. منصور خالد مع سلفاكير ميارديت وأوجع ملايين القلوب التي تتفق معه والتي تختلف معه!! وبدا منصور خالد في صورة الشيخ الذي عاد من بلاد الأفرنج لإلقاء النظرة لحال السودانيين في الوطنين الجنوبي والشمالي، وقد تبدد حلم منصور المثقف إلى سراب بقيعة.. ومات حلمه كما ماتت أحلام محجوب ود الرواسي، وقد أصبح في بلادنا حتى محمد ود أمونة وزيراً.. كما نقشت ريشة عبد العزيز بركة ساكن حالنا في الجنقو مسامير الأرض الذين يحلمون وتئد الثورات أحلامهم.. ومنصور خالد في جنوب السودان ومخيلته العربية تختزن صورة وأرشيفاً عن القمع التاريخي وهو الذي وهب عمره لتعرية الاستبداد ومحاكمته في الأنفاق المظلمة..
قد يتذكر منصور خالد في جوبا.. قصة جون قرنق يتحدث وسلفاكير يصمت.. وبونا ملوال في “سودان ديمقراطتيك” ينتاشه بسهام النقد.. ود. خالد المبارك يضع تخصصه المسرحي أمانة عند عبد القادر حمدنا الله وينهال على منصور خالد على طريقة أقرب لأحقاد عبدالله علي إبراهيم المردودة لتفوق منصور على جيله.. والمسافة التي تفصله عن مثقفي “المحنة” الذين أورثوا البلاد حكم العسكر وعاشوا تحت أحذيتهم يقتاتون مما تفيض به بقايا جيوبهم..
منصور خالد هو من طرح سؤالاً في ستينات القرن الماضي جرح كبرياء النخبة الشمالية الغارقة في أوهام الانتماء لأفخاذ العرب من جهينة وكنانة وخزيمة حينما قال “هل يمكن للعروبة كجنس وعنصر أن تصبح أساساً للهوية الوطنية؟” ويجيب في كتابه جنوب السودان في المخيلة العربية “هناك قراءة زائفة للخارطة السودانية تغفل تنوع التضاريس الاجتماعية”.
مثّل د. منصور خالد احتراماً لتلاميذه في الفضاء العام وهم أساتذة جامعات وجنود وضباط سابقون ومنسوبو خدمة مدنية مطرودون من رحمة السلطة.. وسائقو حافلات وتجار وشاربو جغبوبة وشاي ولبن وآكلو قراصة وعصيدة وخميس طويرة “وولولي” الوجبة الشعبية للدينكا.. مثله لا تنشر صورته في الواتساب وهو ضعيف في مظهره.. قوي في روحه ومواقفه وقناعاته.. مثل منصور يذهب إليه الحكام للقائه.. ولا يطرق أبواب السلاطين.. ومثل د. منصور تكرمه الدولة بالأوسمة المعنوية ولكن رجال دولتنا لم يدخل أحدهم “النفق المظلم” ولا خير في هؤلاء لأنهم لا يسمعون صرخة الجائع في عز الشتاء ولم يتدبروا قول أبي العلاء..
يرتجي الناس أن يقوم إمام
ناطق في الكتيبة الخرساء