مفاوضات جوبا..لا أحد (يأبى) السلام
جوبا: رضا حسن باعو
“تغريدة” لم تتجاوز بضع كلمات من رئيس حركة جيش تحرير السودان أركو مني مناوي، على حسابه في تويتر عن تراجع الحكومة عن ما تم الاتفاق عليه مع حركات الكفاح المسلح بجوبا خلقت حالة من الوجوم وسط المراقبين والوساطة التي تتابع عن كثب مفاوضات سلام السودان التي تستضيفها حاضرة دولة جنوب السودان جوبا منذ فترة ليست بالقصيرة.
تغريدة مناوي ربما يحسبها المتابعون للمفاوضات بداية النهاية للمفاوضات والعودة للمربع الأول، لكنها عكست التقارب الكبير بين الحكومة من طرف، والجبهة الثورية بكافة مكوناتها كطرف أصيل في تحقيق السلام.
جعل حديث مناوي عن تراجع المفاوضات التفاوضين هنا في جوبا يخرجون ما يدور داخل القاعات والذي لا يحصل عليه الوفد الإعلامي الذي يتابع عن كثب ما يدور في قاعات فندق “بالم أفريكا” بجوبا، وينقلون أحاديث الغرف المغلقة للرأي العام لطمأنة الشعب السوداني الذي ينتظر بشغف نجاح المفاوضات الذي بات قاب قوسين أو أدنى لإنهاء الحرب اللعينة ومن ثم التفرغ للتنمية وبناء سودان ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة.
بطبيعة الحال يكون هناك اختلاف في وجهات النظر بين المتفاوضين، فكل طرف يسعى لأن تكون رؤيته للحل شاخصة أمام المشهد، وهذا ما يظهر أن هناك خلافات بين الأطراف المتفاوضة، غير أن الشاهد أن الجميع هدفهم الأساسي في جوبا تحقيق السلام الشامل الذي يضع البلاد في مرحلة جديدة تحقق من خلالها شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، خاصة وأن القضايا التي تناقش الآن قديمة مضت عليها عقود خلفت وراءها العديد من الضغائن وما علق بالنفوس بين السودانيين.
ظهور الحكومة في مؤتمر صحفي مشترك تمت الدعوة له على عجل في وقت كانت تنعقد فيه جلسة مفاوضات بين الوفد الحكومي بقيادة الفريق الركن شمس الدين كباشي والحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار التي يترأس وفدها نائب رئيس الحركة ياسر سعيد عرمان.
الحكومة والجبهة الثورية أكدتا عدم انهيار مفاوضات السلام بجوبا وقطعتا بعدم التراجع في النقاش وأشارتا إلى أن التفاوض بينهما يمضي بصورة ممتازة وتمسكا بتحقيق السلام الشامل في الفترة المحددة وأوضحتا أنه بات وشيكاً.
وأكد الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة في مفاوضات السلام بجوبا محمد حسن التعايشي عضو مجلس السيادة عدم وجود سلام من غير مشاكل، وأضاف: إذا نحن متفقون ما كان في حرب في البلاد، وقال: إذا لم تكن لدينا رغبة لتحقيق السلام الشامل لما استمررنا طيلة هذه الفترة نتفاوض مع شركائنا في حركات الكفاح المسلح بهدف الوصول لسلام.
وقال التعايشي: نحترم اختلاف وجهات النظر التي ترد من كل الأطراف، واستدرك: لكن ما نؤكده أننا نمضي صوب تحقيق السلام بكل إرادة وعزيمة. وتابع: ما عندنا رغبة نقاتل السودانيين في سودان ما بعد الثورة التي حسمت هذه الأمور مع مبادئها وشعاراتها التي رفعتها. وأردف: لا أعتقد أن هناك طرفاً من جميع الأطراف لديه رغبة في مقاتلة حكومة الثورة، وقال: نحن سعداء جداً بالتواصل والحوار بيننا داخل قاعة المفاوضات، وأوضح أنهم وشركاؤهم في حركة الكفاح المسلح من مدرسة واحدة ربما أننا نختلف في الوسائل لكننا متفقون بشأن تحقيق السلام في الفترة التي حددناها.
وقال التعايشي في مؤتمر صحفي عقده مساء الجمعة بإحدى قاعات فندق برميد بجوبا: لم نتراجع عن أي شيء تم الاتفاق عليه مع حركات الكفاح المسلح. وأردف: هذا ما تؤكده الوساطة والمراقبون، وأشار إلى أن الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو مددت اتفاق وقف العدائيات وإطلاق النار حرصاً منها على عدم العودة للحرب، وزاد: كما أن هناك اتفاق وقف عدائيات مع مسار دارفور ينتهي يوم ٢٠ يناير المقبل، اتفقنا على تمديده حتى نتمكن من الوصول لسلام، وأكد أن الحكومة لديها مصلحة حقيقية في الوصول لسلام عبر منبر جوبا وفقاً للفترة المحددة بالوثيقة الدستورية، وأعلن استعدادهم لتقديم كل التنازلات من أجل السلام من غير أي شرط.
وأوضح التعايشي أن منبر جوبا يختلف عن كافة المنابر التي ناقشت مشاكل البلاد، وأشار إلى أنه يناقش مشاكل كل مناطق السودان من خلال مساراته المختلفة، وأضاف: نريد أن نصل لاتفاقيات تخاطب جميع مشاكل السودان ونؤسس من خلال جوبا لمنهج جديد.
وأكد التعايشي أن الموقف التفاوضي لكل المسارات بشكل عام ومسار الجبهة الثورية ومسار دارفور على وجه الخصوص يمضي بصورة ممتازة جداً وتوقع الوصول لنتائج في أيام قليلة.
وأكد التعايشي جدية كافة الأطراف في الوصول لسلام وكشف عن تقدم في العديد من الملفات، واشار إلى أن هناك قضايا معقدة منذ الاستقلال مثل شكل ومستويات الحكم ولابد أن تعالج.
وتابع: لا نريد سلاماً فوقياً، ونسعى لسلام حقيقي لمعالجة مشاكل السودان، وأشار إلى حجم التعقيدات بشأن السلام، وقال: لكننا عازمون على النقاش وحسم كل الملفات بما يمكن من الوصول لسلام شامل وعادل، لا نريد مفاوضات إلى ما لا نهاية طالما لدينا إرادة.
ولم يذهب رئيس الجبهة الثورية الدكتور الهادي إدريس الذي شارك في المؤتمر الصحفي بجميع مكونات الجبهة بعيداً عن ما ذهب إليه الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة في أن المفاوضات لم ولن تنهار ولا تراجع عن ما تم الاتفاق عليه.
وبث إدريس تطميناته للرأي العام والشعب السوداني وحكومة جنوب السودان والرئيس سلفاكير ميارديت بأن المفاوضات لم ولن تنهار، وأكد حرصهم على تحقيق السلام الذي أوضح أنه مدخل أساسي للاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني.
وأضاف: بدون سلام لن يكون هناك تحول ديمقراطي، وأشار إلى أن هناك تحولاً كبيراً بعد سقوط النظام البائد الأمر الذي أتاح فرصة لتحقيق السلام وهو ما جعلنا نأتي للتفاوض منذ الجولة الأولى بروح طيبة.
وأوضح غدريس أن المشكلة السودانية هي مشكلة إدارة وهي في المركز، وأشار إلى أن تحديد خمسة مسارات لمناقشة قضايا الأقاليم المختلفة، ومن ثم التفرغ لمعالجة المشاكل القومية، الحريات، وكيف يحكم السودان، وبعد ذلك نكون حققنا اتفاق سلام شاملاً.
وأعلن إدريس تماسك الجبهة الثورية، وقطع بعدم وجود خلافات في مختلف مكوناتها، وأشار إلى وجود اختلاف في وجهات النظر، وأضاف: هذا طبيعي لا يقلقنا.
وفي موازاة ذلك أكدت الحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار أن إرادة السلام التي انطلقت في السودان غير قابلة للتراجع، وأشارت إلى أن الإرادة في التوصل لسلام شامل وسريع متوفرة لدى جميع أطراف التفاوض.
وأكد نائب رئيس الحركة الشعبية جناح عقار، ياسر عرمان أن إرادة السلام التي انطلقت في السودان غير قابلة للتراجع وقطع بأن الإرادة للتوصل إلى سلام شامل وسريع يستكمل الثورة متوفرة لدى أطراف التفاوض.
وأوضح عرمان في تصريحات صحافية عقب جلسة مفاوضات بين حركته ووفد الحكومة أن الاتفاق مع الحكومة سيكون في إطار السودان الموحد ويجب أن يفرز آليات جديدة تراعي خصوصية المنطقتين.
إذن هذا هو الواقع هنا في جوبا التي تحتضن مفاوضات سلام السودان بقلب مفتوح وتقابل الجميع بابتسامه نقية تحمل في داخلها كثيراً من الحب للسودان الكبير، وتعمل جاهدة للمحافظة على استقراره وبناء ما تبقى منه، بما يؤكد أن تغريدة مناوي التي أطلقها لا تعبر عما يدور بين الأطراف المتفاوضة بقدر ما هي وجهة نظره الشخصية..