ألحقوا السوق
*في أحد قروبات الواتساب وضع أحدهم قائمة كتب فيها كيلو العدس 100 جنيه .. كيلو السكر 50 جنيهاً. فجاءه الرد سريعاً من أحد مغتربي الولايات المتحدة في ذات القروب، وقال له كيلو العدس عندنا بخمسة دولارات يعني 450 جنيهاً إذا حسبنا الدولار بتسعين جنيهاً، وكيلو السكر بأربعة دولارات يعني 390 جنيهاً..الخ، وختم رسالته “شكراً حمدوك”.
*لم ينته الجدل حول هذه القائمة أو تلك فكانت مداخلة من ثالث وقال أسعار أمريكا أفضل باعتبار أن هناك حداً أدنى للأجور تتناسب مع تلك الأسعار وهناك ثبات في الأسواق فلا تجد سلعة في سوبر ماركت يزيد سعرها بين يوم وليلة، ولكن أهل السودان يعانون من جشع التجار وبخل الدولة في مرتبات العاملين.
*حسناً تخيلوا معي عاملاً راتبه مثلاً خمسة آلاف جنيه- طبعاً ما في عامل مرتبه بيحصل كدا- وليس لديه أبناء هو وزوجته فقط وساكن في غرفة في منزله يعني غير مستأجر عقاراً ومنزله قريب من مكان عمله يعني بيركب حافلة واحدة بخمسة جنيهات.
*يعني مائتي جنيه مواصلات في الشهر فقط، ولك أن تتخيل بقية منصرفات هذه الأسرة التي تتكون من فردين مع الوضع في الاعتبار طلب الفول الأن بخمسين جنيهاً.
*أما إذا كانت أسرة لها أولاد ومدارس، فهذا يحتاج لمعجزة حتى ينهي شهره وإن كان بالدين، هذه هي المعادلة وليس أن نقارن كيلو السكر بخمسين في الخرطوم وخمسة دولارات في واشنطن.
*أذكر في حج العام قبل الماضي كنت برفقة عدد من الزملاء وكان أحدهم يحسب كباية الشاي التى كانت بخمس ريالات يعادلها بالجنيه السوداني وكان حينها الريال يعادل ثمانية جنيهات فقال لي”الشاي السادة بأربعين جنيه” فضحكت، وقلت له إن كنت تريد معادلة ما تشربه وتأكله في المملكة أو غيرها من الدول الأخرى بعملتنا السودانية فمؤكد أنك ستموت من الجوع والعطش، فمستوى دخل الفرد في تلك الدول يختلف عنا في السودان.
*انشغلت الحكومة الانتقالية في الفترة الماضية بتفكيك النظام السابق، وغفلت عن السوق، ركزوا مع الدولة العميقة ولم ينتبهوا أن الأسواق أصبحت مولعة نار ولا يقوى عليها إلا الأثرياء وبعض ضعاف النفوس.
*الشعب السوداني يريد أن يشهد استقراراً في قفة الملاح ولا يهمه بعدها من يحكمه، يريد أن يجد الدواء بأسعار زهيدة ومتوفرة ولا يهم بعدها، يريد أن يجد التعليم المجاني والمدارس الجيدة ولا يهم بعد ذلك من يحكمه.
*الغالبية من هذا الشعب الكادح لا يهتم بمن يحكمه بقدر من يوفر له العيش الكريم في معاشه، وظلت الإنقاذ لسنوات تتلاعب بمشاعر المواطن فيما يسمى بتخفيف أعباء المعيشة ولكنها فشلت في ذلك، وعلى ذات النهج الآن تسير قحت في رفع شعار تخفيف أعباء المعيشة، ولكن مع كل شعار نجد الأسواق ارتفعت لحد الجنون.
*رجاء، ألحقوا الأسواق قبل أن ينفلت العقد أكثر مما هو عليه الآن، فالكثيرون يعانون من قلة رواتبهم والكثيرون بلا عمل والكثيرون يهربون من هذه الظروف القاسية بما هو أقسى منها.