(الحنك شنو؟!)
(كنا حبيبين).. أي غارقين (لشوشتنا) في الحب..
(وفي المحاسن كفى يومنا رااح)
فهل كان كل ذلك التراث الممراح وتلك الجزالة الفواحة وردة من دخان؟!
أين مضى واين سهر الشوق في العيون الجميلة، ولماذا لا يأتينا حصاده مثل تلك الأيام الخوالي؟!
كنت وزوجتي نستمتع بمشاهدة (كنا في سيرتك) لسعد الدين في قناة النيل الأزرق، وكانت عن الراحل المقيم الفنان (هاشم ميرغني)، واتسلطنا كثيراً حينما جاءت سيرة أغنية (ما مشتاقة ليا).. وكيف أن للرومانسية ذلك الأسى الشامخ وهي تمارس حزنها الثخين وترسل آهاتها عزيزة ودموعها منتصرة.. لترسم ذات الآهات والدموع مجرى آخر جسور غير مشروط بالوصال ولا منشغل بحدوث الارتواء ..
حينما تُشفي الكلمات المغلوب على أمرها الحب المغلوب على أمره ويتحديان معاً أودية النسيان ويبدآن طريق الخلود ليبقيا جيلًا بعد جيل..
قالوا إنها قصة هاشم الحقيقية.. والتي يبدأها بسؤال مفتن:
يعني ما مشتاقة ليا؟!
أي جمال هذا الذي يصنع من بساطة كلمات الناس وعادياتهم عمقاً آخر وأبعاداً ذات جرس أخاذ وانتباهة لا تروح ..
(ولا ما عارفة العليا؟!)
بقلب المحب عرف أن (زولته) قد تغيرت بوصلتها.. بعد طول غياب عاد فوجدها رغم وعودها والتزاماتها السابقة بلا لهفة ولا شوق..
(عايز أحس بيشوقي فيك
بس لقيت اللهفه راحت)..
لم يدخلنا العمل الفني المبدع هاشم ميرغني تلك السراديب المظلمة من حكايات (العريس التاني) و(خيبة الاختيار).. بل مباشرة آجالنا في مركز إحساسه المشبوب بالمحبوبة وإن عز الوصال:
(الليلة قلبك لو نساني..
غير عيونك وين أقبل)..
صمت… فما هناك لا يحصل الآن هنا أبداً ..
الم أقل لكم .. يكفي المحب معرفة أنه يحب.. معرفة حقيقية فيلتزمها.. ويمضي محباً عاشقاً ولها.. ولا يجديه شفاء وتسرية إلا إيغاله في الإيمان بما في قلبه من مشاعر حقيقية، وإن افتوه الناس وأفتوه.. خلاصه في ذات التزامه بما علق في صدره.. لا بهم (إن غرق أو جاء حازمها)..
قالت زوجتي (لو حصل ذلك الآن.. لاستمعنا لفواصل من الشتائم تشفياً وفشاً)..
وانت بياع..
ومن حياتي أختقي..
فهل تغيّر الحب.. أم إن تلك الصور التي راودت أحلامنا ونحن نميل مع فيروز ونطرب مع أم كلثوم ونتمايل مع هاشم ميرغني وزيدان والذري والتاج مصطفى قد مضى زمانها وأصبح الأمر لدى الأجيال الجديدة لا يحتاج كل هذه اللفة الطويلة.. فكله (حنك).. ويا حليل (أبو حنك)!!
هل فقدت أنثانا تلك القوة الفذة في التأثير حينما أصبحت متاحة ومتبدية.. ام إن شيئاً من رحيق الأمس ضاع؟!
ما الذي حدث فعلاً..
ولماذا يتحول أغلبهن في وقت قصير إلى (أمهات صغيرات)..
أية (خجة) غشيتنا فأصبحت المعايير القديمة بالية وغير مَرْعْيّة..
مسكين هذا الجيل وهو يكابد كل هذا (النشاف) المشاعري وتلك (الموضوعية) الجامدة..
تلتهم (القهاوي) والـ(coffee shop) أغلب أوقات الشباب.. ويبدو أن الوقت الذي يقضونه مع بعضهم البعض أكثر سلامة وأيسر انبساطاً من
(زولتي الكنت حبيتها لقيتها وراي تحب زولين)..
أو… (ﺃﻧﺎ ﻣﺎ ﺑﻜﻮﻥ ﺃن ﻣﺎ ﺑﻜﻴﺘﻚ ﺳﻨﺔ
ﻭﺧﻠﻴﺘﻚ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﻌﻤﺮ
ﺗﺘﺸﻬﻰ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻬﻨﺎ
ﺃﻧﺎ ﻣﺎ ﺑﻜﻮﻥ ﺃﻧﺎ
إﻥ ﻣﺎ ﺧﻠﻴﺘﻚ ﺗﻈﻦ
ﻭﺗﺸﻘﻰ ﺗﻘﺮﺏ ﺗﺠﻦ
ﺃﻧﺎ ﻣﺎ ﺑﻜﻮﻥ ﺃﻧﺎ)
دا حب دا ولا فض اعتصام؟!
بلدو قال الرجل السوداني (ما رومانسي)..
ولا أقسى علي رومانسية الرجل السوداني أكثر من انتقاد بلدو لها وتلفزيونياً!!
فلنحسم اليوم هذا العبث..
جرّب أن تفاجئ اليوم زوجتك بالقول على نحو حاني:
(الليلة قلبك لو نساني
غير عيونك وين أقبِّل)
قلها على نحو صحيح .. وإلا فلا تلومنّ إلا نفسك إن ردّت عليك:
(عليك الله يا كلس ما تبطّل العوارة دي).