لم تكن خطوة أفراد هيئة العمليات بجهاز المخابرات أمس غير مُتوقّعة لكل ناظرٍ ومُتابعٍ لمجريات الأحداث، منذ أن تمّ الإعلان عن هيكلة الجهاز وحل هيئة العمليات وتخييرهم بالانضمام للاستخبارات، أو الدعم السريع أو تسريحهم عن الخدمة واستلام استحقاقاتهم، فاختار مُعظمهم التسريح، وتم الاتفاق على ذلك.
تُقدّر قوات هيئة العمليات العسكرية حوالي (14) ألف فرد برتبٍ مُختلفةٍ، متوسِّط ما تم الاتفاق عليه حوالي (500) ألف جنيه لكل فردٍ، أي إجمالي قيمة الاستحقاق إذا افترضنا أن العدد (14) ألف تصبح (7000.000.000) جنيه، فما الجهة التي عليها دفع المبلغ؟!
كثير من القرارات التي تمّ اتخاذها بتصفية عناصر النظام السابق، كان الغرض منها إقناع الشارع المُلتهب بأن الحكومة ساعية في تحقيق شعارات الثورة والتي من أهمها تفكيك نظام الإنقاذ، لكن فَاتَ على الكثيرين أنّ ذلك التفكيك تَتَرتّب عليه كَثيرٌ من المُترتِّبات المالية لكثيرٍ من المسؤولين والمُوظّفين والنظاميين الذين كانوا يتولّون كثيراً من المناصب، والذين من بينهم أفراد هيئة العمليات.
كان على اللجنة المنوط بها هيكلة الجهاز أن تمرحل تلك الهيكلة على مراحل، بحيث لا ترهق خزينة الدولة بتريليونات الجنيهات، في وقتٍ نبحث فيه عن أيِّ مليم لسد ثغرات الخُبز والوقود والدواء وغيرها.
عقب اتفاقية نيفاشا في العام 2005، تَمّ الاتفاق بين الحركة الشعبية والحكومة آنذاك بتخفيض عَدَد أفراد القوات المُسلّحة، ولقد تمّت تلك العملية بكل سلاسة، واختار كثير من أفراد القوات المسلحة التسريح، فيما تَمّ الاستغناء عن آخرين، وتسوية استحقاقاتهم.
أخطر ما في أمر أفراد هيئة العمليات أنهم بأيديهم سَلاحٌ، وليسوا كعُمّال سودانير أو الخطوط البحرية بأن يتم التماطل معهم، مما يدل على أن إدارة تلك الأزمة منذ بدايتها لم تكن بالطريقة المناسبة، أي تمّ التعامل معها بطريقة (ملكية) كما يقول العساكر، لكن رغم ذلك ليس مُبرّراً لتلك القوات أن تُروِّع المُواطِنينَ، وتَتَسَبّب في الهلع من خلال إطلاق الأعيرة النارية طوال يوم أمس!!
تصريح الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، والذي أشار فيه إلى استلام إدارة الجهاز 23 مليون دولار لاستحقاقات أفراد الهيئة، وتحذيره من ممّا وقع بالأمس، يضع أكثر من علامة استفهام، إذا ما قُرأ باتّهام صلاح قوش صراحة بأنّه وضباط بالمعاش وراء ذلك.
تَعَامُل القوات النظامية الأخرى من قوات مُسلّحة ودعم سريع وشرطة كان عقلانياً جداً، ووجدت الإشادة من المُواطنين الذين تجمّعوا في بعض الشوارع هاتفين ومُساندين لتلك القوات، وهي بلا شك بداية مرحلة جديدة لإعادة الثقة بين الثوار والقوات النظامية، والتي سادها بعض التشويش والاستخفاف بها في الأشهر الماضية، لتُؤكِّد للثوار أنه مهما حصل ستظل القوات النظامية هي الحامي للبلاد – بعد الله سبحانه وتعالى – من كل الشرور والفتن.