الحكمة والتعقّل وَاجِبان
لا يخفى على أحد أن الأوضاع الهشّة بالبلاد تقتضي أن يتجنّب الجميع ما يتسبّب في كارثة لا تُبقِي ولا تذَر، وتُدخِل البلادَ في دوّامة العنف، وقد جرت تحذيرات كثيرة من قبل تُنذِر وتُنبّه إلى أهمية أن يتحلّى الجميعُ بروحٍ وطنيةٍ مُخلِصةٍ وتفويت أي فرصة للتربّص بأمن البلاد وسلامتها واستقرارها، فالأمن مسؤولية الجميع ليس فقط منوط به القوات النظامية، هو واجِب على الجميع وإحساس بالاطمئنان وشعور قوي أن الدولة ومؤسساتها وشعبها في كامل الانسجام والتوافُق على مفهوم الأمن الواحِد والاستقرار الكامِل بلا تفلُّت أو ضيم أو تظالُم أو انفراط ..
ما حدَث بالأمس مؤشّر خطير كان يُمكن تفاديه منذ البداية، فتركه يتفاقم حتى يصل إلى هذه المرحلة التي وضع فيها الجميع أيديهم على قلوبهم، يجب أن يُنبّهنا ويفتح عقولَنا وقلوبَنا إلى دقة الظروف التي تعيشها بلادنا وتتطلب وعياً وحِرصاً أكبر حتى لا تقع البلادُ في نار المُواجهات أو الانفلات الأمني، فإذا كان ما جرى يقع في دائرة الأجهزة الأمنية والقوات النظامية، فإن ظلاله وخيوطه السياسية وتداعياته ستتطوّر ربما إلى ما هو أكثر خطورة على التماسُك الوطني لو استمرت الأوضاع على ما هي عليه دون أن يتوفّر حلٌّ شامل في البلاد ويتحقق السلام وتتوقف الحروب ويتم التصالُح الوطني ويلتئم شمل البلاد على مشروع وطني حقيقي يُصبح فيه الوطنُ وطناً للجميع ..
لقد أطلقت هذه الأحداث صافرة تحذير وقرعت أجراس إنذار، تُشير إلى أن البلاد برُمّتها على كف عفريت ويتطلّب ذلك أعيناً مفتوحة وأفقاً واسعاً يتجاوَز حالة الشد والجذب ويدفع بالجميع إلى التقدير السليم لما تعيشه البلاد من أزمات ومُشكلات لا تنتهي إلا إذا زال الاحتقان وتوحّدت الكلمة وتراصّت الصفوفُ وأُبعِدت الأجندات السياسية والحزبية التي تُفرّق ولا تجمع ..
على القائمين على أمر البلاد في الحُكم وفي قيادات القوى السياسية المُختلفة وقيادات المجتمع ورموزه الوطنية، أن يقودوا بأنفسهم مبادرة انتشال البلاد من لوثة التمزّق والفتن وإخراج وطننا من الشّقاق والخصومات السياسية الحادة التي ما تنامَت إلا ودمّرت وخرّبت الأوطان وشتّتْ كلمُتها وأضعفت كيانها.. فنحن في مرحلة حادّة الانعطاف لا يُفيدُها إلا الحوار والسمو فوق الخلافات وتسوية الحروب وجلب السلام والتراضِي بما يجمعنا ويجعلنا نعيش معاً ..
على قادة الحُكم ورموز البلاد السياسية والاجتماعية والدينية، أن يتقدّموا اليوم قبل الغد، للعمل المشترك وبروح وطنية مُخلِصة حتى لا تكون بلادنا فريسة سهلة للمُتربّصين بها، وحتى لا تسقُط مُقسّمة ومُمزّقة وبؤرة للحرب والدماء والأشلاء، ونتحوّل جميعاً إلى مجموعات نازٍحة ولاجئة ومُشرّدة…