قبل أن يعلِنوا وفاة الميزانية..!
حتى الآن ليس لدى وزير المالية ما يقدمه، فميزانية العام ٢٠٢٠م، تحذيراته منها اكثر من تبشيراته بها، وآخر ما قاله أمس في معهد الدراسات الإنمائية بجامعة الخرطوم، التي أشار فيها إلى وجود اختلالات كبيرة جداً في الميزانية بعدم رفع الدعم، وكان السيد الوزير قد بنى كل توقّعاته بتحسّن الاقتصاد ومعالجة تشوهاته على عملية رفع الدعم الذي يمثل 36% من المصروفات، ولا ندري ما الذي سيفعله الوزير ووزارته وحكومته التي قفزت في الظلام الدامس وتورطت في إجازة ميزانية أكثر من نصفها يعتمد على الخارج والباقي على موارد غير موجودة أصلاً مع ضعف الإنتاج وقلة الصادر وتضارُب السياسات الاقتصادية والمالية وعدم وجود تصوّر واضح لمعالجة مشكلات الإنتاج والصادرات ..
وكل يوم يمُر تزداد حالة اليأس والحيرة لدى قطاعات واسعة من المواطنين، بتفاقم الأزمة الاقتصادية وعجز الجهاز التنفيذي بكامله عن إيجاد علاج ناجع لها، وحتى مشروع الموازنة عند إجازته هو نفسه مشروع الموازنة التي أعدتها حكومة معتز موسى في ٢٠١٧ مع تعديلات طفيفة وصياغات مُعدّلة في بعض الجمَل والفقرات والعبارات، لكنها هي نفسها من حيث الرؤية الكلية والفلسفة التي تقوم عليها والعلاج الذي اقترحته تلك الحكومة في العهد السابق، ولم يجتهد العقل الاقتصادي (القحتاوي) في ابتداع أية فكرة اقتصادية أو يجترح حلولاً جديدة، وسار وراء الإنقاذ حذو النعل بالنعل، ولعلّ السيد الوزير في متاهته الحالية وهو يُحاول مخاطبة الخارج يستطيع أن يدلنا على الحلول السحرية التي يهرع إليها ويفزع ..
وكُنّا مثل غيرنا من السودانيين نعتقد أن وزير ماليّتنا وقبله رئيس الوزراء وعدد من مسؤولي الحكومة ونسبة لعملهم وعلاقاتهم بالمنظمات الدولية خاصة الأمم المتحدة وصناديقها والبنك الدولي وصندوق النقد، سيأتون بما لم تستطعه الأوائل، وسيخرجوننا من غيابت الجب، وينطلقون بالبلاد في براري خضراء نستقبل فيه عهد النهضة وتمتلئ البلاد خيراً وعدلاً، فخريفها يزخر وتخضر الضروع ونواعم الأيام ومن ذهبت تبادر بالرجوع ..!
لكن من الواضح أن حكومة قحت التي انشغلت بصراع طواحين الهواء في لوثة دونكيشوتية، لا تمتلك أي تصوّر منقذ للحياة الاقتصادية، فميزانيتها منحولة ومُستَنسخَة من ميزانية سبق تجريبها وهي مُستلَفة من النظام السابق الذي لو وجد فيها خيراً وأملاً لما تعقّدت أموره وسقط، فيا ويلنا وويل بلادنا من هذا الشر الذي اقترب، فاقتصادنا عاجز وليس هناك من يمد يد العون، ولا يوجد في العالم من يسعى لإقالة العثرة، فالدول الغربية ومؤسساتها المالية والدول العربية الغنية كانت تتوقع من حكومة السيد حمدوك جراحة عميقة للاقتصاد السوداني حتى تبادر بدعمه، لكنها فوجئت أن العلاج المقترح رفضته الحاضنة السياسية للحكومة وعينها على الكلفة الباهظة سياسياً، فحال بين وزير المالية والبر الآمن والحل المتوقع موج من الأوهام الحزبية التي غطّت كل شيء وحجبت أي شيء!….
فوق ذلك تعجز الحكومة عن معاجلة الاحتقان السياسي وقد بلغ أشده، بعد أحداث مدني وإغلاق المحطات التلفزيونية والصحف ومحاربة الخصوم السياسيين والتضييق عليهم والهجمة على جامعة أفريقيا العالمية وجمعية القرآن الكريم ومناهج التعليم العام، فضلاً عن الخلافات الداخلية بين مكونات الحكم والحكومة، وتلويح السيد الصادق المهدي بالانتخابات المبكرة وتلميحاته بشق الصف القحتاوي المعرّض للاهتراء ، فالأمل بات بعيداً جداً وربما غاب، والخيبة تطرق بشدة على كل الأبواب، فما الذي تبقى ليقوله الوزير البدوي …؟!