ما حدث أمس في مدينة ود مدني يستحق التوقُّف عنده، هناك موكب سلمي دعت له عدة تيارات سياسية للتعبير عن مواقفها ورأيها، واتخذت كل الوسائل المشروعة في تنظيم الموكب، الذي احتشدت فيه جموع كبيرة من أبناء الجزيرة، واتخذ مساره الصحيح، وتمّت المُخاطبة الجماهيرية بسلام، وعندما انتهى الموكب والجموع تتفرّق بعد أن أبلغت رسالتها وقالت كلمتها، قامت المجموعات التابِعة للحرية والتغيير بقيادة الشيوعيين، بالاعتداء على جماهير موكب الزحف الأخضر دون أي مُبرّر سوى التعبير عن الضيق بالرأي الآخر ومحاولة منع مواطنين من ممارسة حقهم الطبيعي الذي كفله القانون، ومن الطبيعي أن يتصدَّى أصحاب الموكب للفئة المُعتدِية وطردها وتشتيتها في الطرقات، ونتج عن ذلك إصابات وربما حالة وفاة واحدة كما تقول المعلومات الواردة أمس. وانتهى يومٌ بخيره وشَرِّه، لكن مداولات ومؤشرات ما حدث تُعدّ الأخطر على البلاد وسيكون لها ما بعدها .
تتحمَّل قوى الحرية والتغيير، المسؤولية الكاملة في التحريض ودفع المُعتدِين للتصدي للموكب السلمي، وإثارة الفِتنة بين المواطنين، وهو عمل سياسي يتّصف بقِصَر النظر والجُبن والطيش، وسيرتد سهمه إلى نحر الجهات والتنظيمات السياسية التي وقفت وراء هذه الأحداث واعتراض المُشاركين في تظاهرة الزحف الأخضر التي حسب ما أشارت الجهات الرسمية كانت مُلتزِمة بمسارِها وبرنامجها المُعَد وخط السير المُحدَّد لها في توقيتاته وزمنه المُخصّص لها، فمن بادَر بالعُنف عليه أن يتحمّل وِزره وجريرته، وسينعكس هذا التطوُّر السالب في التعاطي مع تفاعُلات الحياة السياسية على الأمن والسلم الاجتماعي والاستقرار، فالعنفُ سيولِّد عُنفاً مُضاداً وربما أكبر بكثير مما يتم التحريض عليه ضد الخصوم .
إذا انفتحت البلاد على هذا النهج والأسلوب العاجِز، وحلّت الاعتداءات مَحِل الحوار والتفاهُم بين مُكوِّنات العمل السياسي، وعجِزت أحزاب “قحت” عن الالتزام بالشعارات التي ترفعها، وسعَت إلى ممارسة البلطجة، فهي الخاسرة بلا شك، فالطرف الآخر وهم يعلمونه جيّداً يعرف كيف سيرُد ولن تُعجِزه الحيلة في ذلك، وبهذا ستدخُل بلادُنا في نَفَقٍ مظلم وتسقط في الهاوية ولن ينجو أحد من هذه الفتنة التي توقِظ “قحت” نيرانَها وستكون هي أول ضحاياها ..
إذا كان الحشدُ في مدني بالأمس أكبر مما تصوّر خصومه، وأضخم مما تخيّلوه، فالأسلوب الأمثل هو البحث عن أسباب خروج الجماهير ورفضها لكل برامج “قحت” السياسية وسلوكها في الأداء التنفيذي، وكان يمكنهم أن يُعِدُّوا مواكبَ مُماثِلة مثل مواكب الردع المايوية في عهد النميري، وإثبات أن الشارع لا يزال معهم، لكن الفَهَاهة السياسية والنظر إلى مدى أرنبة الأنف فقط هو الذي جعل هذه المجموعة السياسية المُتشنِّجة المُتوتّرة تدفع بصغار السن وبعض العضوية المنهزِمة لنشر الفوضى في الشارع وإثارة البلبلة وخلط الأوراق ومحاولة إحراق الأخضر واليابس .
لقد سقطت “قحت” في كل اختبارات الديمقراطية والحرية والسلام والعدالة، كل هذه كانت مُجرّد شعارات جوفاء خدعوا بها الجماهير، ودغدغوا بها مشاعرها، ثم خلعوها فظهرت بثور جلودهم وبان عُريّهم وتشوُّهات ملامحهم، وأحرزوا صفراً كبيراً في كراسة التربية الوطنية والتنشئة السياسية .
يتوجّب على مؤسسات الدولة المعنية بحفظ الأمن وحماية المواطنين أن تَنتَبِه لخطورة ما يجري، والتعامُل وفق القانون وكما ينبغي مع الذين يُحاولون توريط الجميع في لوثة العُنفِ والعُنفِ المُضاد، والتصدّي للمجموعات التي تعمل على فتح فُوّهات الجحيم وإحراق البلاد وإغراقها في أنهار الدماء ورماد الحرائق ..