رفض مؤتمر البجا للمُشاركة في المؤتمر التّشاوُري.. التّساؤلات الكُبرى!
الخرطوم: الصيحة
السلام أحد أهم أولويات الحكومة الانتقالية ومطلوبات الثورة التي وضعته في أول مصفوفتها الزمنية خلال الأشهر الستة الأولى من عمر المرحلة الانتقالية، وقد قطعت مسيرة السلام شوطاً كبيراً من خلال منبر جوبا بمساراته الخمسة، حيث يضم مسار إقليم دارفور، ومساري جنوب كرفان وجنوب النيل الأزرق (المنطقتين)، ومسار الشرق، ومسار شمال السودان، ومسار الوسط، وقد وصلت بعض المسارات إلى اتفاقٍ نهائي مع وفد الحكومة للتفاوُض برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو، وقد تم التوصل في مسار الشرق إلى تفاهُمات كبيرة بعد توحُّد عددٍ من تكتُّلات شرق السودان وتوقيعها مذكرة تفاهُم في 9 ديسمبر من العام الماضي لتشكيل موقفٍ تفاوُضي مُشتركٍ من خلال ورقة (الاتفاق الإطاري) التي تسلّمتها الوساطة، وهي أحزاب مؤتمر البجا الكفاح المُسلّح والجبهة الشعبية ومؤتمر البجا مُعارض المذكرة التي وقّعتها هذه الأحزاب فيما بينها، لتعزيز العمل المشترك والتنسيق في المحاور التي تُشكِّل الموقف التفاوُضي لمسار شرق السودان في مفاوضات جوبا. هذا وقد تم عمل كبير من خلال الوساطة وعزيمة الوفد الحكومي برئاسة “حميدتي” في الوصول لاتّفاقٍ مع أيِّ مسارٍ من هذه المسارت، وتم الاتفاق بعد استصحاب أهل المصلحة والقيادات الأهلية ومُنظّمات المُجتمع المدني بشرق السودان على تعليق المُفاوضات في مسار الشرق لمزيدٍ من التشاوُر بين مُكوِّنات الإقليم بعقد مؤتمرٍ تشاوُري لمُناقشة قضاياه وملفاته في الخرطوم يناير الجاري، وهو موقف يزيد من احتمال الوصول إلى سلامٍ سريعٍ من خلال تشاوُر واتفاق كل مُكوِّنات الإقليم، خاصّةً وأنّ كل المُجتمع السوداني يُعلِّق أنظاره وآماله لمسارات التفاوُض هذه بين وفد الحكومة وحركات الكفاح المُسلّح التي أصبحت تعيش ضغطاً إيجابياً من خلال متابعة واهتمام أهل السودان.. لهذا بَاتَ من الغريب جداً تعنُّت موقف مؤتمر البجا الذي يترأسه مُساعد رئيس الجمهورية السابق موسى محمد أحمد ورفضه للمُشاركة في المؤتمر التشاوُري الذي سَوف ينعقد في الحادي عشر من هذا الشهر.
بعض المُراقبين يحتجون بوجاهة موقف مؤتمر البجا من خلال مَوقفه المُتّخذ نتيجةً لاتفاقية الشرق أو اتفاق أسمرا الذي وقّع في بالعاصمة الإريترية في 14 أكتوبر 2006م مع الحكومة السودانية السابقة بعد اعترافها بقضية الشرق.
ونَصّ الاتفاق على استيعاب قوات جبهة الشرق (وهي جبهة تم تكوينها بعد اتفاق نيفاشا بين مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد والأسود الحُرّة بقيادة مبروك سليم الرشيدي، وبعض المجموعات الصغيرة بشرق السودان أكبرها فصيل موسى محمد أحمد) في القوات المُسلّحة السُّودانية، وَتَمّ تعيين قادة الجبهة في مناصب سياسية بالحكومة الوطنية، والجمعية الوطنية، وفي ولايات شرق السودان الثلاث (كسلا والقضارف والبحر الأحمر).. إذن لموقف موسى محمد أحمد وجاهته، ولكنه ليس الموقف السليم في هذه المرحلة التي تشهدها البلاد بعد الثورة السودانية المجيدة، خَاصّةً وأنّ الحكومة لم تقل بإلغاء الاتفاقات المُوقّعة مع أية جهة بوساطة دولية وله في مسار دارفور عبرة، بحيث لم تحتج الحركات المُوقّعة على اتفاقية الدوحة مع النظام السابق على التفاوُض في مسار دارفور مع حركات الكفاح المُسلّح الأخرى، وهذا ما كان متوقعاً من قيادة مؤتمر البجا موسى محمد أحمد في العمل على تسهيل مهام الوصول إلى سلامٍ في مسار الشرق، بحكم توليه فصيلاً يُنادي ويُطالب بحقوق شرق السودان ويُدافع عن قضاياه.. هل رفض موسى محمد أحمد ناتجٌ عن تخوُّفات بفقدان مؤتمر البجا مَكانته بين أهل الشرق لمُشاركته حتى آخر لحظات النظام السابق؟! أم يا ترى يكون الرفض نتيجةً لتحالُفات أخرى لعرقلة مسيرة التفاوُض أو ربما ارتباطات خاصّة بجهات ترى أحقيتها برعاية اتفاق الشرق؟! مهما كان الموقع الذي يدعو لرفض مؤتمر البجا المُشاركة في المؤتمر التشاوُري الخاص بمسار الشرق، فهو بالتأكيد مَوقفٌ لا يُساعد في جلب السلام لأهل منطقته، ولا يُساهم في استقرار الشرق وازدهاره.