إحباط مُسبَّب وتشاؤم منطقي..!
“الحكومة في مصر تسعى إلى تحويل السلطة الرابعة إلى سلطة راكعة“.. بهاء طاهر..!
أنَا مُحبطة جداً من قرار مُصادرة صحيفتي “السوداني والرأي العام”، وشبكة قناتي “طيبة والشروق”، ومبعث إحساسي بالإحباط هو عدم صُدور هذا القرار كحكم قضائي من محكمة مُختصة، بعد توافر القدر اللازم من تكافُؤ الفُرص بين ممثلي الدفاع ومُمثلي الاتّهام، واستنفاذ جميع مراحل التقاضي في ذلك.. مبعث إحباطي وقلقي هو مَبدأ مُصادرة الصحف في عهد الحُريات دُون اللجوء إلى القضاء.. أما الدفاع عن هذه المُؤسّسات الإعلامية أو تفنيد التهم المُوجّهة إليها فيتكفّل به القائمون على أمرها..!
في مصر – ما بعد الثورة – سألت الإعلامية “بسمة وهبة” ضيف برنامجها التلفزيوني “شيخ الحارة” الإعلامي والنائب البرلماني “عبد الرحيم علي” – وهي ترفع حاجب الدَّهشة – هل باع المهندس نجيب ساويرس كل استثماراته الإعلامية في مصر؟!.. فأجابها: أي نعم، هو الآن خارج المشهد الإعلامي، بل أنّه في طريقه لبيع استثمار إعلامي آخر، خارج مصر..!
ثم أردف قائلاً فيما معناه – دُون أن يطرف له جفنٌ – “إن تدخل رجال الأعمال في السياسة والإعلام في مصر قد أضر بمصلحة الوطن، فالهدف من استثمار رجل الأعمال في وسائل الإعلام هو رغبته في أن تحميه وسيلة الإعلام التي يمتلكها من خُصُومه، وفي هذه الحال لا يُمكن أن يسمّى هذا إعلاماً بل كرباجاً.. لأجل ذلك بدأت الدولة في إعادة التوازُن للإعلام بامتلاكها لنحو ثمانين بالمائة من المُؤسّسات الإعلامية في مصر”..!
فالحكومة في مصر ترى أنّ توجُّهات بعض وسائل الإعلام تخلط بين المصالح الشخصية لمالكيها والحالة السياسية والأمنية الراهنة التي تُحيط بالبلاد، فتضربها في مقتلٍ – من حيث تدري أو لا تدري – في مناطق حَسّاسَة، فيحل الخراب..!
ثم أنّ رجال الأعمال المصريين الذين يستثمرون أموالهم في الصحف اليومية والقنوات الفضائية – والكلام لا يزال لعبد الرحيم علي – يخسرون لكنهم لا يَأبهون بالخسارة لأنّ المُقابل لدفع الثمن الباهظ هو النفوذ والقوة السياسية.. وبالتالي حينما تُسيطر الدولة على الصحف والقنوات – كما فعلت – فهي تُحاول إعادة التوازُن لبوصلة الإعلام في مرحلةٍ حرجةٍ، لو ترك خلالها الإعلام المصري بأيدي الاستثمار الخاص لتلاعب أصحاب الأغراض بعقول المُواطنين، فيخرجون إلى الشارع لإشاعة الفوضى بأمرهم تارةً، ويحجمون عن الخُرُوج للإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة بأمرهم تارةً أخرى.. وهكذا..!
ثم أنّ الدولة أيضاً – والكلام لا يزال لعبد الرحيم علي – لا تَكسب من استثمارها في المُؤسّسات الإعلامية – على نحوٍ مُباشرٍ – لكنها تُسيطر على سوق الدعاية والإعلان في مصر، وهذا السوق يمثل كعكة كبيرة قيمتها حوالي اثنان مليار، وعليه فإذا استثمرت الدولة مليار وثمانمائة ألف جنيه في المُؤسّسات الإعلامية فإنّها سوف تكسب مائتي مليون.. وبذلك تكون الدولة في مصر قد نجحت في توجيه دفّة الإعلام نحو مصالحها.. ليس دُون أن تخسر شيئاً فحسب، بل مع نجاحها في أن تحقق هامش ربح جيد أيضاً..!
ولأن معظم الكوارث التاريخية التي تحدث في مصر تتنزًّل علينا في هذا السودان، بفارق توقيت يطول أو يقصر، ومتغيرات سيناريو تزيد أو تنقص، وفقاً لبعض عوامل التعرية السياسية والاقتصادية – “يعني غالباً ما تكون الحكاية مسألة وقت ليس إلا” – آثرت أن ألخص لك حديثي عن أسباب شعوري بالإحباط من المستقبل السياسي والاقتصادي والإعلامي القريب في السودان باستعراض ما يماثله من الماضي القريب في مصر.. وكله بعد الثورة..!
منى أبو زيد