المِنَح والقُروض.. كشف المستور
خبراء يُطالبون بتطبيق القانون ومحاسبة كل من يخترقه
د. الناير: الحكومة السابقة أسرفت في استخدام خطابات الضمان وإصدارها بصورة غير مسبوقة
تقرير: سارة إبراهيم عباس
كثيراً ما أعلن خلال السنوات الماضية من قبل حكومة العهد البائد عن توقيع اتفاقيات منح وقروض للبلاد بغرض إنشاء مشاريع تنموية، ولكن عند النظر للأمر لا توجد على أرض الواقع ما يشير إلى أنها لم تصرف من أجل الغرض المخصص لها، وهذا الأمر أدى إلى وجود جدل كبير من قبل المهتمين بالشأن وإطلاق العديد من التساؤلات، أين ذهبت تلك الأموال وفيم صرفت؟ فأصبحت السمة الغالبة لتلك الاتفاقيات إما حبيسة الأدراج أو عدم اكتمال المشروعات الخاصة بها بجانب أن تلك الأموال لم تدخل خزينة الدولة، ومؤخراً شرعت الحكومة في تشكيل لجنة من قبل النائب العام تاج السر الحبر للتحقيق في تجاوزات كافة القروض والمنح الأجنبية الممنوحة لحكومة السودان عبر وزارة المالية وبنك السودان المركزي وكافة البنوك.
وتفيد المتابعات أن تلك اللجنة تختص بالتحقيق في القروض والمنح من حيث تخصيصها وتحصيلها وكيفية استغلالها ومدى مطابقتها للشروط والأحكام المنصوص عليها في القوانين والاتفاقيات المنظمة لها. ويبقى السؤال: هل تستطيع الدولة أن تعالج تلك المشكلة التي ظلت لفترة طويلة تعاني منها البلاد. “الصيحة” طرحت العديد من الأسئلة على خبراء الاقتصاد حول إمكانية نجاح اللجنة واستفادة البلاد من تلك القروض .
تصحيح مسار:
من جانبه قال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير: تنتظر اللجنة مهام كبيرة في التحقيق في كل القروض والمنح والطريقة التي استخدمت فيها وكيفية وصولها للبلاد سواء كانت عن طريق إجراءات بنكية أو غيرها، ومدى ملاءمتها مع اللوائح والقوانين المعمول بها وتوظيفها في المجالات التي جاءت من أجلها ونتوقع من اللجنة أن تكشف الكثير من المخالفات في كيفية استخدامها فقد تكون استخدمت المنح والقروض في غير الغرض الذي جاءت من أجله، وسوف تصل إلى نتائج مفيدة واسترداد المال العام، لافتاً إلى أن فترة الحكومة السابقة أسرفت في استخدام خطابات الضمان وإصدارها بصورة غير مسبوقة في تنفيذ مشروعات، وهي عبء والتزام على الدولة، وبالتالي نأمل من اللجنة في فترة قصيرة حصرها واسترداد كل الأموال وتصحيح مسار الاقتصاد فيما يخص القروض والمنح حتى يحاسب أي شخص حول مسارات القروض إلى غير وجهتها، وأن يجد عقوبة رادعة حتى يكون عظة وعبرة للباقين ويستقيم أمر وزارة المالية وبنك السودان والجهات المعنية في متابعة قضية هذه المنح والقروض بطريقة جيدة ومتابعة تنفيذها، منادياً بأهمية تطبيق القانون ويحاسب كل من يخترقه وإصدار لوائح وقوانين في المرحلة القادمة، وتمنع تصرفات العاملين في القطاع العام حتى تذهب المنح فيما جاءت من أجله وقال: اللجنة تتمتع بالمسؤولية العالية وتعطي إشارة للمجتمع الدولي بأن السودان أصبح يتعامل مع القروض والمنح بنوع من الشفافية والوضوح، وبالتالي تزيد من معدل الثقة في التعاملات الخارجية بصورة أساسية.
عدم تنفيذ
وفي سياق متصل، قال الخبير الاقتصادي د. حسين القوني إن السودان لديه علاقات متميزة مع دول صديقة وشقيقة تربطهم مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية وغيرها أثمرت تلك العلاقات نتائج طيبة وتعاوناً في شتى المجالات، والسودان شأنه شأن الدول الأخرى، وفي إطار التعاون المشترك درج على توقيع اتفاقيات قطرية وإقليمية ودولية شملت العديد من المجالات بما في ذلك القروض والمنح والهبات والقروض المالية والفنية وغيرها، هذه القروض والمنح والهبات طلبتها الحكومة لمواجهة احتياجاتها المالية والفنية وغيرها وفقاً لخطط الحكومة آنذاك، وقد قصد بها إتمام النقص في الخطط والبرامج التنموية وتطوير الأداء الاقتصادي.
الكثير من المنح والقروض والتسهيلات وغيرها الممنوحة لحكومة السودان عبر وزارة المالية أو بنك السودان أو تلك التي كانت تصل إلى جهات بعينها مباشرة كما في حالة العملات الحرة التي وصلت إلى القصر في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، لقد ضلت تلك القروض والمنح طريقها إلى الجهات ذات العلاقة، ولم يتم التعامل معها حسب النظم واللوائح المقررة والسائدة في البلاد، وبالتالى لم تصل إلى الجهات المعنية والمتخصصة، لذلك لم يتم استلامها كلياً أو جزئياً، الأمر الذي حال دون تنفيذ الخطط والبرامج المقررة والتي على ضوئها تم التوقيع على الاتفاقيات، وكان من نتائجها عدم الالتزام بنصوص عقودها وخطابات الضمان وتعذر تنفيذ البرامج التنموية المقررة مما نتج عنها تأخر تنفيذها، وبالتالي أدى إلى ارتفاع تكلفة التنفيذ والإضرار بخطط كثيرة في البلاد بل تأثرت العديد من المجالات بعدم تنفيذها بسبب وصول المساعدات والتمويل حسب ما كان مخططاً بما فيها مشاريع تنموية (مدارس.. مياه.. طرق.. كباري….الخ).
تشديدالرقابة:
وشدد القوني في حديثه لـ (الصيحة) على أهمية تشديد الرقابة والالتزام بالقوانين واللوائح، لافتاً لإجراء دراسة لمعرفة أسباب عدم تطبيق القانون واللوائح المالية المتعلقة بالقروض والمنح الأجنبية ومجالات استخدامها في عهد النظام البائ، منادياً بأهمية قفل كل المنافذ والثغرات التي تؤدي إلى الفساد والتراخي في إنفاذ القوانين وتعديل اللوائح بما يجعل العقوبات رادعة وأشد قسوة، ووضع المزيد من الضوابط المالية والتقارير الدورية والاهتمام بكل تقارير المراجعة الداخلية والخارجية وجعلها ملزمة في جميع مؤسسات الدولة .
حلول بديلة:
من جهته، أوضح المحلل الاقتصادي د. هيثم فتحي، أن القروض والمنح التي تم استلامها من الدول العربية دخلت ضمن تعزير الاحتياطي النقدي، فضلاً عن قروض البنك الدولي، حيث إن الاحتياطي النقدي كان لا بد من تعزيزه لأنه الركيزة الأساسية لأي اقتصاد دولة، ولا يجوز لها أن تطبع عملات دون الاعتماد عليها من خلال تغطيته باحتياطي ملائم في البنك المركزي، لذا فهو مرتبط بمعدل الاستهلاك في السنة والفرق في الميزان التجاري، الذي يكون بمثابة عجز يتم الاقتراض من أجل سداده والوفاء بالتزامات من خلال سندات دولارية، على سبيل المثال لتسديد التزام القروض والمنح التي لجأت إليها الحكومات السابقة، كانت ملحة، حيث إن الفوائد يتم التعامل معها عن طريق تحويلها إلى فترات زمنية طويلة من أجل القدرة على سدادها مع انتظار عائد المشروعات التي تم بناء عليها القرض أو المنح وتحديد هل غطت التكاليف وحققت إيرادات قادرة على سداد الديون أم لا.
وقال فتحي لـ(الصيحة): دائماً ما نبحث عن الحل الأسلم اقتصادياً وسياسياً دون الوقوع تحت بند الاتفاقيات أو قوائم شروط تلزمنا بسياسات معينة أو وضع برامج وخطط لابد من تنفيذها، حيث توجد حلول اقتصادية بديلة عن المنح والقروض تتناسب واقتصادنا وما يجب علينا، وأضاف: أعتقد بأن هناك قصوراً فى متابعة القروض والمنح التي تم الحصول عليها لعدد من الوزارات والهيئات وعدم قيام وزارة مختصة (التعاون الدولي) بدورها في هذا الصدد تحمل الموازنة العامة للدولة غرامات تأخير وعمولات. لافتاً إلى عدم الدقة في إعداد بعض الدراسات التي من المفترض أن تُعد مُسبقاً قبل التوقيع على الاتفاقيات، فضلاً عن التأخير فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لدخول القرض حيز النفاذ، بالإضافة لعدم الاستفادة الكاملة من هذه القروض، ما يؤثر بالسلب على الموازنة العامة للدولة، لافتاً إلى أهمية وضع معايير وضوابط الاقتراض الخارجى والحصول على المنح الأجنبية ومتابعة الجهات المحلية المقترضة فى الاستخدام والسداد ومتابعة الجهات المستفيدة من المنح الأجنبية في الاستخدام وذلك في إطار السياسة العامة للدولة وبما يكفل تحقيق التنمية الاقتصادية.