التاريخ يُعيد نفسه ..!!!
لم تمُر بالصحافة السودانية وحرية الإعلام ، كارثة وفاجعة ومجزرة حقيقية كما حدث في أغسطس١٩٧٠، عندما كان الحزب الشيوعي يسيطر على الأرضاع في البلاد بعد تدبيره انقلاب مايو ١٩٦٩، حيث أصدرت سلطة مايو قراراً بتأميم الصحف وكونت لجنة ترأسها محجوب محمد صالح وضمت في عضويتها محجوب عثمان، وعبد الله عبيد الإداري بوزارة الثقافة والإعلام وليس المغفور له عبد الله عبيد الصحفي المعروف الذي كان شيوعياً أيضاً، وعملت هذه اللجنة على تنفيذ قرارات التأميم التي طالت الصحف ومصادرتها لصالح الدولة، وتم الحجز على أصولها وأملاكها، وهي صحف (التلغراف، الرأي العام، السودان الجديد، الصباح الجديد، صوت السودان، الصحافة، الأيام، الناس، الضياء، السودان الرياضي )، وكانت تلك مذبحة ذُبحت فيها الصحافة السودانية على صعيد الأيدولوجيا ولوثة السياسة، وبررت عملية التأميم والمصادرة بمبررات واهية هدفت إلى تكريس توجهات حزبية سعت للسيطرة على البلاد ومقاليد السلطة ..
بالأمس أعاد التأريخ نفسه، عندما صدرت قرارات من لجنة إزالة التمكين بمصادرة صحيفتي السوداني والرأي العام وقناتي الشروق وطيبة، والحجز عليها وتشريد العاملين فيها، دون اللجوء إلى حكم قضائي أو مسوغ يستند إلى حجية مقنعة وحيثيات واضحة، وهو قرار سياسي بامتياز الهدف منه تكميم الأفواه ومصادرة الحريات وإذلال الصحفيين وقهرهم والسيطرة الأحادية على وسائل الإعلام، وتتطابق العقليات التي قامت بالتأميم في سنة ١٩٧٠م، والعقلية السياسية التي أصدرت قرارات الأمس بمصادرة صحيفتي السوداني والرأي العام وقناتي الشروق وطيبة، ويتأصل الاعتداء على الإعلام والصحف والوأد الآخر لدى التنظيمات اليسارية فهي بلا قيم أو أخلاق أو حتى سلوك وطني يعصم من الوقوع في مثل هذه الأخطاء الفادحة التي ستكلف البلاد كثيراً وتبقى وصمة عار في جبين من قاموا بها تلاحقهم حتى تدخل معهم قبورهم ..
تقف الصحافة السودانية اليوم في أكبر تحدٍّ لها وهي تُطعن غدراً في ظهرها، وتحاول العقلية التحكمية الديكتاتورية المتسربلة بلباس مدني أن تقصف الأقلام وتكسرها وتحاول كسر إرادة الصحفيين، باختلاق الأكاذيب والافتراءات والأباطيل، بالادعاء أن هذه الصحف تتبع للمؤتمر الوطني أو النظام السابق، فصحيفة السوداني بملكيتها الخاصة لمالكها، وبمهنيتها وبالأقلام التي تعمل فيها لم تكن في يوم من الأيام تعمل أو تنطق أو تساند المؤتمر الوطني ، بل كانت محل انتقاد وتبرّم وضيق مستمر، وجُل صحفييها هم أقرب للخط المناوئ للنظام السابق، وتبنت وتبنى صحفيوها كل شعارات الشارع وكانوا أشد قسوة على النظام السابق من بعض أدعياء النضال الثوري الذين يتخذون قرارات اليوم وفي أيديهم السلطة ..
هذه المؤسسات التي أوقفت، سواء كانت تتبع للنظام السابق أو حزبه أو لا تتبع له، ليس من حق أي جهة أن تشتبه أو تشكك في مهنيتها، فهي لا ترفع سلاحاً ولا تمارس عملاً سياسياً حزبياً محضاً، هي أدوات للرأي والخبر والتحليل ليس من أدوارها أو مهامها العمل السياسي، ستظل قرارات إيقافها شوكة في الخاصرة وتلطيخ لسمعة السودان وتمريغه في التراب، وانتكاس وردة كبرى عن الشعارات التي رُفعت باسم الشعب أنها ثورة من أجل الحرية والسلام والعدالة، فلن تكسب السلطة من هذه القرارات شيئاً سوى خسارة المجتمع الصحفي كله، فمن عادى صحفيي بلاده فقد عادى الضمير الوطني وغرس خنجره في قلب الأمة ..
لن يرحم التاريخ هؤلاء الطغاة الجدد، خاصة من كان منهم متعلقاً ومتصدرًا بثوب الصحافة، ونحن نعلم الفاشلين منهم في هذه المهنة ومن طُرد وفُصل لضعف قدراته المهنية وهوانه على مهنة الصحافة، ومن بقي عاطلاً من أي موهبة حتى جاءته الصدفة وأجلسته باسم الجماهير في موقع القرار، التاريخ لا يرحم، تذهب السلطة لكن الصحافة باقية وشاهدة وموثقة، ويذهب بريق الحكم، لكننا صحفيون باقون في مهمتنا لأنها في أسنة أقلامنا وفي قلوبنا وعقولنا… وسنرى من يكسب معركة الحقيقة والحرية وجسارة الكلمة ومن الذي خان شرف المهنة وخان زملاءه وغدر بهم وخان القلم والمداد والقرطاس …
نحن الصحفيون نخوض اليوم أشرف المعارك وأنبلها، لن نتراجع عن حقوقنا، ولن ننتكِس لسلطة أو نخضع لصغار الطواغيت الذين يُخادعون الشعب بقميص الثورة ودماء الثوار …