السودان للسودانيين ــ (3)
بعد استعراض بعض التطورات السياسية والنضالية في الطريق إلى الاستقلال أن نكمل هذا الأمر بإيراد بعض الوثائق الهامة لتلك الفترة من عمر الوطن، ولعله غني عن القول إن من أهم تلك الوثائق وثيقة التفاهم التي تمت بين مصر وبريطانيا فيما عرف باتفاقية الحكم الثنائي والتي تم توقيعها في القاهرة في 19 يناير 1899 ووقع عن حكومة مصر رئيس النظار- رئيس الوزراء حينها- بطرس غالي وعن الحكومة البريطانية اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني بمصر. وهي تقريباً أول اتفاقية من نوعها للحكم الثنائي. وتتكون من اثنتي عشرة مادة ومن أهم هذه المواد المادة الثالثة التي تفوض الرئاسة العليا العسكرية والمدنية في السودان إلى موظف واحد يلقب (حاكم عموم السودان) ويكون تعيينه بأمر عال خديوي بناء على طلب حكومة جلالة الملكة ولا يفصل من وظيفته غلا بامر عال خديوي يصدر برضاء الحكومة البريطانية. وقام حاكم عموم السودان بتعيين حكومة من ثلاثة سكرتيرين قضائي وإداري ومالي ومفتش عام (سلاطين باشا النمساوي الجنسية والذى تم إعفاؤه حين اندلاع الحرب العالمية الأولى، وكانت دولته في المعسكر المضاد لبريطانيا العظمى حينها)، وكذلك تم تعيين مديري المديريات ومفتشي المراكز وجميعهم من الإنجليز كما تم تعيين بعض المآمير من المصريين وفي فترات متأخرة تعيين بعض نواب المآمير من السودانيين وبعض نواب مديري المديريات قبيل مرحلة السودنة في مطلع خمسينات القرن العشرين.
ولعل الاتفاقية الأخرى ذات الأهمية القصوى في الطريق إلى الاستقلال هي اتفاقية الحكم الذاتي التي حلت محل اتفاقية 1936 المعروفة باتفاقية صدقي- بيفن. اتفاقية الحكم الذاتي للسودان تم توقيعها بالقاهرة في اليوم الثاني عشر من شهر فبراير 1953 والتي مهدت لقيام انتخابات 1954 وقد وقع عن حكومة مصر اللواء ا.ح. محمد نجيب وعن حكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال إيرلندا رالف اسكراين ستيفنسون. وتتكون الاتفاقية من خمس عشرة مادة من أهمها المادة العاشرة الخاصة بقيام البرلمان وبقانون الجمعية التاسيسية والمادة الثانية عشرة والخاصة بالمهام المنوط القيام بها بواسطة الجمعية التأسيسية أن تقرر مصير السودان كوحدة لا تتجزأ وأن تضع دستوراً يتواءم مع ذلك القرار كما تضع قانوناً لانتخاب برلمان سوداني دائم وأن يكون تقرير المصير أم باختيار الارتباط بمصر على أي صورة أو الاستقلال التام، واختار السودان الاستقلال التام الذي يظهر في الوثائق ادناه:
تقدم العضو عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة من حزب الأمة بالاقتراح الآتي: (نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نعلن باسم الشعب السوداني، أن السودان قد أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة، ونرجو من معاليكم أن تطلبوا من دولتي الحكم الثنائي الاعتراف بهذا الإعلان فوراً).
وقد ثنى الاقتراح من جانب الحزب الوطني الاتحادي نائب دائرة دار حامد جمعة سهل.
ولأهمية كتابي الاعتراف أورد نصهما فيما يلي:
(1) كتاب الاعتراف الصادر من الحكومة المصرية:
السيد رئيس مجلس الوزراء حكومة السودان
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إن الحكومة المصرية عملاً بنواياها جاهرت بها وبمسعاها الذي جاهدت من أجله لتحقيق الحرية لشعب السودان دولة مستقلة ذات سيادة.
وقد أصدرت الحكومة المصرية تحقيقاً لهذا الإعلان المرفق كما اعتمدت نيابة السيد الأميرلاي أركان حرب عبد الفتاح حسن عنها لتقديم هذا الإعلان.
ولي عظيم الشرف بالإصالة عن نفسي وبالنيابة عن الحكومة المصرية في أن أزجي إلى سيادتكم خالص التهنئة بهذا اليوم الخالد في تاريخ السودان وأن نبتهل إلى الله أن يسدد خطاه في حاضره مستقبله.
القاهرة في أول يناير 1956
جمال عبد الناصر
رئيس وزراء حكومة جمهورية مصر
إعلان
استجابة للقرار الذي اتخذه البرلمان السوداني في 19 ديسمبر 1956م والذي أعلن أن السودان سيصبح دولة مستقلة كاملة السيادة وطلب فيه من دولتي الحكم الثنائي أن تعترفا.
فإن حكومة مصر تعترف بأن السودان دولة مستقلة ذات سيادة بهذا الإعلان اعتباراً من أول يناير سنة 1956م وتأمل حكومة جمهورية مصر في الوقت الذي تعترف فيه باستقلال السودان أن تستمر حكومة السودان في رعاية الاتفاقيات التي عقدتها الإدارة الثنائية نيابة عن السودان، أو اتفقتا على تطبيقها في السودان.
وسيكون من دواعي سرورها، وترجو حكومة جمهورية مصر تأييد الحكومة السودانية كذلك أن تتعاون معها حكومة السودان في كل الخطوات الضرورية لتصفية الإدارة الثنائية في السودان.