منتصف يناير…هل يحسم أزمة النهضة؟
الخرطوم ـ أنعام عامر
بحلول الموعد المضروب لحسم الملف منتصف يناير الجاري، حسب جدول الوساطة الأمريكية، فإنه لم يتبق سوى القليل لطي الملف وحسم نقاطه الخلافية. إلا أن واقع ومخرجات الجولات السابقة في كل من القاهرة والخرطوم وأديس يؤكدان أن الملف لم يتزحزح قيد أنملة من مكانه. إذ لا زالت النقاط الخلافية بشأن قواعد التشغيل وملء الخزان تراوح مكانها.. وما يزيد الملف تعقيداً التصريحات الأثيوبية الأخيرة بخصوص الوساطة، إذ أكدت أديس أن حدود دور كل من واشنطن والبنك الدولي محصورة في الرقابة فقط بشأن الملف.. وأن الفصل في النقاط الخلافية يخص الدول الثلاث.. تصريحات لها ما بعدها..
بينما يمر الزمن ويقترب الموعد المضروب لبدء ملء بحيرة سد النهضة.. لا تكاد المفاوضات بشأن النقاط الخلافية تتقدم خطوة إلى الأمام.. إذ لا يكاد يذكر أي تقدم في هذا الإطار ابتداء من لقاء الوساطة الأول منتصف نوفمبر الماضي بالعاصمة الأمريكية واشنطن إلى اللقاءات التي تمت في العواصم الثلاث. خرج اجتماع الخرطوم باستمرار المشاورات الفنية.
وحسب البيان الختامي للاجتماع، تم الاتفاق على استمرار المناقشات الفنية حول كافة المسائل الخلافية خلال الاجتماع المقرر عقده في الفترة من 9-10 يناير الجاري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهو الرابع في سلسلة الاجتماعات الخاصة بحسم الخلاف, لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث بهدف الوصول إلى توافق حول قواعد ملء وتشغيل السد. ما يعني أن الاجتماعات الثلاثة السابقة كانت تنفض دون أن تتقدم خطوة وأن المهمة تنتهي بنقل المشاورات إلى الاجتماع القادم.
وتتصاعد تداعيات القلق على مستوى العواصم الثلاث مع اقتراب نهاية الفترة الزمنية التي حددها الوسيط الأمريكي بحلول منتصف يناير الجاري.. ورغم التزام الدول الثلاث بجدول الاجتماعات الذي حددته الوساطة في عواصم كل من مصر والسودان وإثيوبيا إلا أن مخرجات تلك الاجتماعات لا تزال دون الطموح ولم ترق إلى حسم ما هو عالق من نقاط خلافية.
إلى ذلك، ترسم المشاهد الآن بشأن حسم الملف خطوطاً جديدة في مواقف كل من الخرطوم والقاهرة وأثيوبيا. فما هي تلك المواقف وكيف تحدد المسار في الاجتماعات اللاحقة.
المشهد (1)
موقف الخرطوم الرسمي يؤكد الحفاظ على مصالح الدول الثلاث، إلى ذلك، أكد رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك أن السودان يشكل موقعاً رئيساً في ملف سد النهضة، وشدد حمدوك في حوار نشرته صحيفة “الأهرام” المصرية الرسمية، على أهمية توصل الدول الثلاث المنخرطة في الملف إلى تفاهم استراتيجي، ومن ثم إلى اتفاق .وقال إن السودان دولة في المنتصف بين أثيوبيا ومصر، وبالتالي فإن حدوث أي تأثير لسد النهضة سيكون السودان أول المتأثرين، وقال إن السودان لن يسمح بأي ضرر يحدث لمصر جراء تشييد السد، مؤكداً أن الموقف من سد النهضة هو نفسه موقف مصر، وإنه الى جانبها كل خطوة، وأضاف: “أن مصالح الخرطوم تتفق مع رؤية مصر من السد”، وأشار إلى أهمية التفاهم والاتفاق بين الدول الثلاث، على أسس إستراتيجية، وقال حمدوك “إن الأهم هو قضية تشغيل السد، فإثيوبيا ترى أن قضية التشغيل هي قضية سيادية، ونحن لا نعارض ذلك، لكن التشغيل يكون عبر التفاهم وعبر تبادل المعلومات بين البلدان الثلاثة، بما لا يضر أياً منها، وأن تكون هناك إدارة مشتركة للسد، بحيث لا يتضرر أحد من البلدان”.
المشهد (2)
في القاهرة، يبدو المشهد أكثر قلقاً مع تزايد الضغوط الداخلية المطالبة بحسم حقوق مصر في مياه النيل والخروج بمكتسبات مقدرة من المفاوضات، خاصة وأنها تعتبر حسب الدراسات المتضرر الأكبر جراء تشغيل السد. وكانت القاهرة قد نفت بشدة عقب اجتماع الخرطوم في الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي، التصريحات الأثيوبية حول تنازلها عن مقترحها الخاص بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. وأكدت القاهرة في بيان صادر من مجلس الوزراء حرصها وسعيها التوصل إلى اتفاق مع كل من السودان وإثيوبيا بخصوص تلك القواعد، بما يحقق مصلحة الدول الثلاث في مجالات التنمية، ولا يمثل خطراً جسيماً عليها.
وتعوّل القاهرة كثيراً على مخرجات الوساطة الأمريكية مثلما تعوّل على استخدام البنك الدولي توجهات سياساته المائية القاضية بعدم تضرر أي من دول النزاع المائي في أي صراع حول الأنهار والبحار. إلا أن تلك السياسات قد تكون سلاحاً ذا حدين . وتبقى هنا الإرادة السياسية بين الدول الثلاث هي الضامن الوحيد لإحداث اختراق في الملف والخروج بحلول ترضي جميع الأطراف.
المشهد (3)
سيناريو هذا المشهد يقول إن أثيوبيا تحاول الاستثمار في الملف بقدر المستطاع من خلال عملية شراء الزمن، إذ أن الأعمال في إكمال بناء ما تبقى من جسم السد وكافة الترتيبات الفنية وجدول التشغيل تسير وفق الجدول الزمني الذي وضع لها.. بينما لا تتقدم المفاوضات بشأن الملف برمته خطوة.. ما يعني أن أديس تمارس سياسة الأمر الواقع.. وتتعامل بهدوء وذكاء كبيرين، وبينما ترى كل من الخرطوم والقاهرة أهمية التعامل بشفافية وحياد في الملف تتركز النظرة الأثيوبية على مصالحها وراء المشروع، وهو أمر ترفضه القاهرة المتضرر الأكبر من الملف.. وفي هذا الغضون أتت تصريحات وزير الري الأثيوبي محبطة للطرفين وللوساطة الدولية أيضاً، إذ أشار في تصريحات رسمية الأيام الماضية إلى أن مهمة الوساطة الأمريكية ووساطة البنك الدولي لا تخرج من كونها رقابة فقط في الملف على مستوى الاجتماعات داخل غرف التفاوض ما يعني تغيراً آخر جديداً يطرأ على الملف قبيل اجتماعات أديس. وهي تصريحات تؤكد وجهة النظر الأثيوبية. وهو أمر يشير إلى أن لدى أديس هواجسها تجاه الوسطاء. وهنا يصبح من المهم توفر الثقة الكافية والشفافية بغية العبور بالملف إلى حلول ترضي الأطراف الثلاثة وفي أسرع وقت ممكن، إذ أن عامل الزمن يقترب من ساعة الصفر.
رؤية إستراتيجية
وحسب خبراء دوليين فإن تحليل النزاعات المائية السياسية بين دول شرق النيل حول سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) يمكن حصره بشكل منهجي في ثلاث نقاط، الأولى قبل إعلان إثيوبيا عن البناء في 11 أبريل 2011 ، والثاني قبل المفاوضات في أوائل يناير 2014 ، والثالث من أواخر أغسطس 2014. واستناداً إلى رؤية الخبراء، فإن النموذج الأمثل هنا هو استخدام نظرية (Hypergame)، كما تم تطويرها لحل النزاعات لمعالجة المفاهيم الخاطئة، ولاكتساب رؤى استراتيجية حول هذه الصراعات وللتأكد من الحلول الممكنة للنزاعات. في جميع النزاعات في النقاط السابقة، فإن صناع القرار الرئيسيين هم مصر والسودان، دول المصب، وإثيوبيا، دولة المنبع. تُظهر النتائج المستخلصة من التحليلات الاستخدام الكبير للمفاجأة الاستراتيجية، وهو عمل حاسم يمارس فيه صانع القرار عن قصد مسارًا للعمل في النزاع يكون مخفيًا لخصومه من أجل محاولة الوصول إلى نتيجة أكثر استحسانًا لنفسه. على وجه الخصوص، وحسب الخبراء فوجئت كل من مصر والسودان عندما أعلنت إثيوبيا علنًا في 11 أبريل 2011 أنها بصدد بناء السد، حيث لم يتم تقديم إخطار مسبق. ولأن إثيوبيا كانت على دراية بمفهوم مصر والسودان، صنف الخبراء هذا النزاع على أنه مصمم على أنه لعبة عالية المستوى. كما أظهرت تحقيقات النزاع أن التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية في مصر والسودان وإثيوبيا سمحت لإثيوبيا ببناء السد دون مواجهة قاسية مع مصر والسودان.
وحسب نشرة موقع (geopoliticalmonitor) ، فإن من المهم تشجيع قادة الدول الثلاث على العمل من أجل تطوير البرامج التي تعالج الأسباب الجذرية للصراع، وكذلك قضايا تخفيف وطأة الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية على المدى الطويل. ويرى التقرير أن هناك حاجة كبيرة إلى برامج مشتركة واستراتيجيات تتمحور حول الأحواض بين البلدان الثلاثة، بدلاً من اتباع نهج يركز على الدولة، من أجل إنشاء جهود وفوائد منسقة لجميع السكان، وتجنب بذر بذور النزاع الطويل في الإقليم.