كثيراً ما أقف مُردداً مقولة الراحل البروف (علي المك) الخالدة:
(تدبير ربيّ عظيم
ففي مدينتي تموت السلاحف
في ليالٍ تسع والبعوض
يحيا دهورا)..
موحية تلك العبارة وأثيرة إلى نفسي، كما أنها عبر خطها الغائر في الميتافيزيقيا تمنحني حلولاً جاهزة لبعض المُستعصيات الماثلة.. جرّبتها كثيراً وأجْدَت..
كانت معي في حادثة “الأنتينوف” المنكوبة لكنها لم تفِ بالغرض.. فالحكاية أغرب من أن يفك طلاسمها البروف وقد مضى وانقضت عجائبه!!
تقول الرواية الرسمية أن وزير العدل نجا بفضل امرأتين ورجل وكل كان يحمل طفلاً (6) لهذا الرهط تدين الوزارة بالوفاء لنجاة الوزير من الكارثة..
تنازل نصر الدين عبد الباري للامرأتين وطفليهما عن مقعده ومقعد حرسه المخصص بينما لا زال غامضاً كيف (باصر) الرجل المتبقي وطفله الأمر وكيف عولج أمرهما!!
غادر الوزير مسرعاً الطائرة إلى أمانة الحكومة للحاق بالاجتماع الرفيع المستوى، ولم يتسن للمتنازل لهم الفرصة في التعبير عن آيات الشكر والثناء لمكرمة الوزير وإلى الأبد !!.
الصورة التي بثتها الأسافير لسعادة الوزير عقب الحادثة مباشرة أظهرته ذاهلاً على نحو موحش وصادق..
دفعتني لتصديقه وعدم الاهتمام أو الالتفات لتلك الأضغاث من الشائعات والترهات التي ظلت تحاول من قبل الشهيدين الزبير وشمس الدين ولم تزل تحاول النيل من اتزاننا وإثابتنا إلى الجنون أو الضجر!!
كان ملتاعاً في الصورة المبثوثة وجاحظ العينين..
ولا أظنه لو خير مرة أخرى بين موته وموت الستة لكان مُراً عليه اختيارالفلول!!…
أن تكون قريباً من هذا الحد الفاصل ما بين الحياة والموت لهي فرصة لا تتاح للكثيرين موعظة وتدبراً ومراجعة .. الفرصة تتجاوز الوزير (المخلوع) لتشملنا جميعًا..
قال بعض الناس يوم أن دلفت الحاجة (كلتوم إسماعيل) مع أسرتها الصغيرة إلى مكتب ابنها الوزير والتُقِطت لهم الصور وهم (مزحومين) أربعتهم في الكنبة الصغيرة التي صُنعت لتحمل 3… يومها قالوا بأن ابن مايو (مخلوع) من ارتقائه ذلك المرتقى الصعب.. وقلنا يومها مع آخرين إن الصور تشير على نحو محقق إلى بساطة الشاب ودماثة خلقه وعدم تلوّثه بعد..
جاءت مأساة الانتنوف لتوافقنا.. والتي أصدق فيها الرواية الرسمية على استياء.. فكل بوابات الوداع ورواياته مرة، وكل شيء يسرق الإنسان من إنسان..
كان في نية الوزير أن يعمل خيراً.. فكر مثل أي راكب (حافلة) في (صينية المركزي)، واختار وقرر..
نزل مخفوراً بنيته التي زاملته..
لا شيء في ذلك الموت يقول إنه رجل صالح وإن الموتى فاسدون.. فذلك قدر الجميع.. سبيل الأولين والآخرين وتدبير ربي العظيم.. ولكنها كما يقول طلاب (هارفرد) (إشارات) في الطريق لا يعرفها ولا يعيها إلا من ألقى السمع وهو شهيد..
وأسئلة ملحة لا تتناسب مع مأساة الموت الحاضر بمذاقه المر، لكنها تحضر، وسنصر عليها…
لعلمنا أن الفرصة قد لا تسنح أو أننا سنسلب حق الانتهاز:
*لماذا تتواصل الفوضى في (مانفيستو) طائراتنا وتربكنا طيبتنا عن ركوب المدنياااااو؟!..
*لماذا لازالت قوى الحرية والتغيير تسافر على حسابنا بأفخر الطائرات وإلى افضل (المنايم) دون (فواتير) ودون (طحن) ؟!..
*لماذا يتواصل تبجح خطاب (البل) بينما لا حلول عندهم لأزماتنا سوى الاستعانة بالفلول؟!..
*لماذا يواصل النظام السابق رغم أنه أصبح سابقاً وبائداً ومنحلاً مسيرة الاستشهاد؟! ..
*لماذا تموت السلاحف
في ليالٍ تسع والبعوض يحيا دهورا؟!..