الشيوعي بالتشريعي.. تَكتيكٌ أم تَراجُعٌ؟
تقرير: آمال الفحل
بصُورةٍ مُفاجئةٍ، قرر الحزب الشيوعي المشاركة في المجلس التشريعي الذي سيتم تكوينه خلال الفترة الانتقالية، مُبيِّناً أنّ اللجنة المركزية للحزب اتّخذت قرار المُشاركة من أجل الوصول إلى أهداف وشعارات انتفاضة ديسمبر، ولتفعيل مُساهمة الحزب في النضال الجماهيري.
وقالت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في تصريح صحفي، إنّها عقدت اجتماعاً استثنائياً مُوسّعاً مع كادر الحزب أمس الأول، قررت فيه المشاركة في المجلس التشريعي، مُشيرةً إلى أنّها أخذت بعين الاعتبار مُناشدات القوى السياسية الصديقة ودعوتها للمُشاركة، وأوضح التعميم أنّ القرار تضمن اعتبارات خاصة بوضع الحزب وتأهيله تدعيم نشاط الفروع، ليلعب الحزب دوره كاملاً في بناء التحالُفات الاستراتيجية والتكتيكية، ويُعزِّز من قُدرة الجماهير في تحقيق أهداف الثورة عبر تنظيماتها في رسم وتنفيذ السِّياسات كافّة.
مُناورات تكتيكية
عَجَزَ الكثير من المُراقبين والمُحلِّلين من تحديد وجه الحزب الشيوعي من المُشاركة في الحكومة الانتقالية، فتارةً يرفض المُشاركة، وتارةً أخرى يُقرِّر المُشاركة في البرلمان الانتقالي، وبيّنوا أن هذه مُناورة تكتيكيّة من الحزب الشيوعي الذي بات يحس بفقدان أرضيته في المُمارسة السياسية، مشيرين إلى أن الشيوعي أطلق هذا التصريح للتشويش على الحكومة الانتقالية وعلى الحرية والتغيير بصفةٍ خاصةٍ، إذ يرى أنّه قد تم تجاوزه في التوقيع على الوثيقة الدستورية دُون الالتفاف للنظر في اعتراضاته.
تبايُن المواقف
مواقف الحزب الشيوعي منذ بداية فترة الحكومة الانتقالية، حسب مُحلِّلين لم يكن مُستغرباً فيها، إذ أنه رغم مُشاركته في الانتقالية وبأكثرية، ورغم عضويته بقِوى إعلان الحرية والتغيير، الكتلة السياسية الحاكمة، إلا أنه دائماً ما يُمارس نقداً عنيفاً لمُمارسات هو جزء منها بصورة مُدهشة، تتنافى ربما ومطالب بعض قاعدته أو قاعدة القِوى الثورية التي تطلب من الحكومة خطوات ومواقف بعكس ما يُعبِّر عنه الحزب الشيوعي تجاه مسؤولي العهد البائد.. ولكن رغم درجة الديمقراطية العالية التي تمنح قيادات الحزب العجوز الذهاب وراء فلسفتهم السياسية، حتى وإن كانت ضد خيارات الحزب، إلا أن ذلك يضع هذه القيادات بقُوة أمام واقعية الخلافات الداخلية بين تياري الإصلاح بقيادة الشفيع خضر الرجل المُقرّب من رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، وهو الذي تم فصله قبلاً من الحزب هو وآخرون من شباب الحزب، وبين التيار الرئيس الذي يقوده أحمد الخطيب رئيس الحزب الشيوعي.. وهذا الأمر يُشير إلى إمكانية حدوث صراعات داخلية بين القيادتين بعد أن استفحل الأمر وصار أشبه بالقطيعة السياسية.
(الصيحة) جالت في أتون الحزب الشيوعي فحصاً وتدقيقاً للوصول إلى الحقائق الملحة، ولتعرية ما يُحاك من خفاءٍ تكمن سيناريوهاته في قرارات الحزب.
ازدواجية المواقف
ويُفسِّر البروفيسور الفاتح محجوب أستاذ العلوم السِّياسيَّة والمحلل السِّياسي مواقف الحزب الشيوعي لـ(الصيحة) بأنّها مواقف غير مَبدئية، مُؤكِّداً أنّ الشيوعي يُزايد سياسياً ويَلعب بطريقةٍ مُزدوجةٍ رغم مُشاركته في الحكومة الانتقالية، وقال محجوب إنّ الشيوعي يَعمل بطريقةٍ ازدواجية، بمعنى أنّه مَوجودٌ وينتقد في آنٍ واحدٍ، وبذلك هو يُريد أن يُسجِّل لنفسه موقفاً بأنه سيُشارك في البرلمان الانتقالي، وبالتالي فهو يُرتِّب في قاعدته للمُشاركة من أجل الوصول إلى أهداف وشعارات انتفاضة ديسمبر وتفعيل دوره ومُساهمته في النضال الجماهيري وهو لا يريد أن يكون طرفاً في إجهاضها، وأشار الفاتح إلى أنّ هذا الموقف لا يمنعه من أن يكون الشيوعي موجوداً ومُشاركاً في الحكومة وينتقد بنوع من الازدواجية في مُمارسة العمل السياسي أن تتحدّث بلسان وتعمل بلسان ويد أخرى، وأكّد أنّ الأزدواجية ميّزت عمل الحزب الشيوعي طيلة مُشاركته في الحكومة الانتقالية الراهنة من بداية العهد الانتقالي، ظلّ ينتقد ويُشارك ويُوقِّع على البيان ومُشارك في كل الأوراق التفصيلية رغم وجود مندوبيه ومُشاركتهم، مُشيراً إلى أنّ هذا النوع من العمل السياسي والمُشاركة يتقنها الحزب الشيوعي بجدارة.
شريك وفاعل
استقرأ عدد من المُراقبين أنّ مُشاركة الحزب في البرلمان الانتقالي سيُمكِّنه من المُشاركة في صنع القرار وإجازة القوانين، مُبيِّنين أنّ الحزب يُريد أن يكون شريكاً وفاعلاً في صياغة بعض القوانين التي من المُنتظر أن تعرض في الفترة القادمة (قانون الأمن) وقانون الانتخابات، مُشيرين إلى أنه حجّم عن المُشاركة فى الجهاز التنفيذي حتى لا يتحمّل أخطاء الحكومة الانتقالية، خَاصّةً أنها تُواجه تحديات كبيرة في الجانب السياسي والاقتصادي.