خُطى السلام وجوهر النزاع!
مساعٍ جادة يبذلها السيد الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع، لتسريع خطوات تحقيق السلام الشامل بالبلاد، القائد الذي خَاضَ غمار الحرب في الصحاري والسهول والجبال والكهوف، وقدّم عشرات الشهداء من أسرته وإخوته، يُدرك تماماً قيمة السلام المُستدام وتوقُّف عجلة الحرب، والمُراقب لمُفاوضات السلام بجوبا، يلمس مدى الحرص والحِكمة والمُرونة في تأجيل الملفات المُعقّدة لمزيد من التفاهُمات.
ومع ذلك، فإن الواقع الملموس يقول إن خُطى السلام بطيئة إن لم نقل متعثرة، قياساً للوقت والظرف الراهن بالبلاد، ومن الواضح أنّ الفعل السياسي القحتاوي له سهمه وتأثيره في هذا الصدد، فشركاء السلام يقرأون بلا شك التصريحات الحكومية والسياسية، ويلحظون روح المحاصصة والتكالب على المناصب وضعف الجدي.
حول وثائقي العربية !
- الحلقات التي بثّتها قناة العربية السعودية من الفيلم الوثائقي الذي حمل اسم “الأسرار الكبرى” والمتعلقة بالحركة الإسلامية السودانية وحزب المؤتمر الوطني، هي بلا شك مادة غزيرة ومهمة تستحق التوقف عندها بكل الشفافية والشجاعة والهدوء، مُحاولة تضخيم المادة أو تتفيهها ليست بمفيدة، فمن الواضح لكل مراقب موضوعي أن الفيلم استفاد من وثائق سرية حقيقية توفرت له، وإن كان واضحاً أنه تعامل معها بانتقائية لخدمة هدف الفيلم، إذ أن قناة العربية ليست بمحايدة تجاه الإسلاميين وتوجُّهاتهم وأنشطتهم .
- استيلاء خصوم الحركة الإسلامية على أجزاء من أرشيفها وخزائن أسرارها، نجاح يُحسب لأولئك الخصوم بصرف النظر عن المُلابسات والظروف والأحوال التي ساعدت في وصولهم للأرشيف السري أو وصوله لهم، وبالتالي فهي نقطة سلبية تؤكد وجود خلل وقصور في حفظ الوثائق وتأمينها، ذلك دون إغفال الظروف الاستثنائية التي حدث فيها التسرُّب، وليس بمُستبعد أن يكون للعناصر الرخوة والمتسلقة وللاختراقات الاستخبارية المضادة دورها في الذي حدث .
- بمشاهدتنا للحلقات التي بثتها القناة، والمقتطفات التي استشهدت بها من أحاديث قادة الحركة والمؤتمر، نقول إن ذلك يؤشر بوضوح لمدى الحيوية الداخلية في النقد والتقويم والنقاش حول الملفات كَافّة في حضور القيادات العليا، حديث الأستاذ علي عثمان كان واضحاً أنه نتاج أسئلة ماطرة نقداً وغضباً وُجِّهت له، ويؤشر ما تم بثه أيضاً إلى أنه كان هناك تداخل معيب بين الحزب والحركة والحكومة بحيث يصعب فرز ما هو لهذا وما هو لذاك، وهو أمر مُعل ومُقعد.
- مَن الذي أعد الفيلم وأخرجه؟ مَن هو صاحب السيناريو وكاتب التعليقات الشارحة والرابطة؟ هل هي قناة العربية وكوادرها؟ أشك في ذلك بل استبعده تماماً، الواضح أن الفيلم أُعد باحترافية استخبارية وسياسية بواسطة جهات ذات خبرة وقدرة، متخصصة في الانتقاء والاجتزاء والدبلجة وما يخدم ويُدغدغ العواطف ويخدم الهدف المبني على تحليل للواقع الماثل ومعطياته، قناة العربية مجرد أداة حتى ولو تمت الاستعانة ببعض معداتها وكوادرها الفنية.
- الإسلاميون عليهم أن يلوموا أنفسهم جراء تسرب بعض أرشيفهم السري أو الاستيلاء عليه بواسطة خصومهم، عليهم أن يتّعظوا ويعتبروا ويعتذروا عما يستحق الاعتذار فذلك من باب الرجوع للحق وهو فضيلة، وما تضمنه الفيلم ليس كله شرٌ، بل فيه خير كثير. الآخرون الفرحون بما تم بثه عليهم أن يتذكّروا أن أجزاءً عديدة مما تم بثه قيلت في مؤتمرات واجتماعات مغطاة إعلامياً، بل ذكرت بتفاصيل أوسع عبر تصريحات وحوارات تمت مع قيادات وعلى رأسها حديث الراحل المقيم الشيخ د. حسن الترابي والذي بثته “الجزيرة” بعد رحيله .
- ما الهدف يا تُرى من بث الفيلم في هذا التوقيت بالذات، حيث تكاد بلادنا تحترق وتختنق من النزاعات والاحتقانات والأزمات والغلاء؟ هل هو أمر مرتب ومحسوب، أم أنها مُجرّد صدفة “خلقت من الشبه أربعين”؟! اللهم جنِّب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .
خارج الإطار:
- القارئ حسين عبد اللطيف تساءل: ماذا يحدث في الجنينة وبورتسودان؟ ولماذا تتطوّر المُشاجرات الفردية إلى احتكاكات قبلية؟ أهي ملامح مُؤامرة أم انهارت الدولة السودانية؟
- رسالة خاصة: لا تقلق يا صديقي، “جاييك برواقة” ما قدمتوه من خدمات جليلة يستدعي التريث قبل الهبوط في الصحارى!