قلنا إن الجد الأكبر كان شاعراً راوياً عالماً، وكان أخوه الأصغر الحاج عبد الله الأمين البدري اقتصادياً متدبراً، كان يمد أهله في الهجرة بأم درمان بالميرة ولما بعد واقعة كرري، وهما من أحفاد الشيخ جاد الله أبو شرا بالكلاكلة القبة، وكان عمهما الشيخ النذير خالد قاضياً في المهدية ومن بعد شيخاً للعلماء بالمعهد العلمي، وتزوج حبوبتنا حليمة السعدية شقيقة الأمير إبراهيم الخليل من أقرباء خليفة المهدى وقد ذكر لي أحد أحفاده وهو مهندس الاتصالات إبرهيم عيسى محمدين البيقاوي أن الأمير إبراهيم الخليل هو من قبيلة البيقو بجنوب وشرق دارفور وهي من القبائل التي ثبتت مع خليفة المهدي بالإضافة إلى قبائل البقارة بكل بطونها والكواهلة والحسانية والحسنات ودغيم وكنانة والهدندوة والحلاوين والجوامعة والحوازمة والتعائشة وحمر ودار حامد وقبائل من النوبة وآخرين كثر من كل أنحاء السودان أظهروا إيمانهم ـو كتموه وقبائل ومجموعات من قبائل وقفت مظاهرة للغزو وهذا كثير في التاريخ الغابر والمعاصر، إما للتنافس على الزعامة أو بكاء على ملك ضاع يلتمسونه عند قيصر كما فعل أمرؤ القيس أو مطامع يرجونها أو بعض مظالم وقعت على بعضهم وكل ذلك ليقضي الله أمراً كان مفعولًا.
ولقد بدأ الإعداد لمقاومة الاستعمار الثنائي منذ أن بدأ دخوله الأراضي السودانية في 1895 في كل مراحل تقدمه جنوباً وحتى قبل المعركة الفاصلة في كرري اتخذ الأمير يعقوب تدابير للتحرف للقتال والتحيز لما بعد المعركة. وكان الأمير يعقوب شخصية قيادية إستراتيجية من طراز فريد تهزأ بكثير ممن يطلق عليهم اليوم «الخبير الإستراتيجي» – إذ قام بوضع احتمال للهزيمة المباشرة في كرري وتحوطات للتحرف والتحيز لفئة مؤمنة والتحرف لقتال كما هو وارد فى القرآن الكريم وليس فرارًا من أرض المعركة لما بعد كرري قام بتجهيز تعيينات من الرواحل والزاد في منطقة على مسيرة ثلاثة أيام بعيداً عن النيل إلى الجنوب والغرب من أم درمان، وكانت هذه هي المنطقة التي ارتحل إليها الخليفة ومن معه بعد ظهر يوم كرري، وهي أرض بعيدة من مرمى نيران العدو من البوارج النيلية، وقد رجع عنه مطاردوه بعد أن أنهكهم السير فى أرض لا يعرفونها ولا يعرفون ما وراءها. وبعد وصوله إلى أبو ركبة ونواحيها أرسل إلى الأميرين الشهيدين الأمير أحمد فضيل – وإلى الأمير الختيم موسى وكانوا بالشرق ليعبروا إليه، وقد عبروا بعد تضحيات ومعارك وشهداء وكتب إليهم رسائل أنه ذاهب غرباً متحيزاً إلى فئة ومتحرفاً لقتال كما نصت الآية الكريمة وليس متولياً يوم الزحف، ولا يكتب مثل ذلك الخطاب بمعانيه السامية إلا من تمكن الإيمان قلبه ورقى إلى قريب من درجات الصديقية، وليس قراراً من المعركة كما يضيع المنافقون. وخطابه هذا لهم يحمل المضامين الإيمانية العميقة التي يهتدي بها الرجل وأعوانه ومن شاء رجع إلى ذلك يجده في الثبت القيم لمؤلفه: عصمت حسن زلفو «كرري» وانسحب الأمير علي دينار (أبو زكريا أداب العاصي) وانحاز غرباً بمن معه إلى دارفور وظل ممسكاً بزمام الأمر حتى استشهاده في معركة منواشي عام 1916 بقيادة هدلستون باشا وحوله الكثير الذي يمكن أن يقال ويكتب.
وذهب الخليفة إلى جبال النوبة جنوباً وغرضه الاستعداد والكرة مرة إلى أم درمان ولكن قضى الله أمراً كان مفعولاً في أم دبيكرات، حيث استشهد جالساً على فروته وفي حجره الشهيد أبو جكة وحوله الخلفاء على ود حلو (حلو فى حلو لآخر أجدادك… يا السيف السنين المهدي حدادك) والخليفة شريف والصديق بن المهدي والأمير أحمد فضيل والأمير عجب الفيا وغيرهم من الأكارم وأسر عدد كبير أخذوا إلى رشيد بمصر، وأفلت الأمير عثمان دقنة إذ استطاع عبور الأنهار والفيافي إلى الشرق حتى قبض عليه بواسطة عيون الخيانة التي لم تنم أبداً عن السودان واستشهاد أبناء المهدي البشرى والفاضل ومن معهم من الأكارم ونجى الله الإمام عبد الرحمن الابن الأصغر للإمام المهدي بالرغم من إصابته البالغة واستبسال والدته يمة مقبولة بنت السلطان محمد الفضل.